كتب
: أحمد أبو السعود
التقييم : 5/5
بطولة :
عمر الشريف ، سعاد حسني ، يوسف وهبي
إخراج :
فطين عبد الوهاب (1960)
يُمثل
هذا الفيلم كوكتيلاً أنيقاً لما يُمكن أن تقدمه الكوميديا كفن ليس من السهل تقديمه
بمزاج كما يعتقد البعض ، لدينا هنا كل شيء : قصة بسيطة جميلة تتصاعد فيها الأحداث بشكل
سلس و تلقائي ، مواقف كوميدية مكتوبة بإحكام و بمزاج عالٍ جداً ، مزيج ممتع من الكوميديا
و الرومانسية مع خلفية مكانية فيها من روح الصيف و البحر ما يجعل الفيلم مرتبطاً بأجواء
الصيف بشكل حميمي جميل ، ممثلون يتحركون في أدوارهم بكل خفة و حيوية و تمّ تسكين بعضهم
في أدوار بعيدة عن النمط الذى كانوا يقدمونه فى ذلك الوقت مثل عمر
الشريف في دور
الشاب الخجول الغشيم معدوم الخبرات في التعامل مع النساء ، و يوسف
وهبي في دور
العم العجوز المتصابي زير النساء الذى على أتمّ استعداد أن يفعل أي شيء من أجل إنجاح
خطته حتى و إن كان سيضع أحمر شفاه ! ، وراء كل هذا يقف فطين
عبدالوهاب كصاحب
بصمة مميزة جداً في تاريخنا السينمائي ، و تتويجه ملكاً لفن الكوميديا لم يكن من فراغ
، الرجل صال و جال كيفما شاء في كل أشكال الكوميديا ؛ السياسية و الاجتماعية و الساخرة
، وقف أمام كاميرته ممثلين كُثر ؛ ممن احترفوا الكوميديا و ممن كانوا بُعاد عنها ،
فى إشاعة حب تتجلى بصمته كأفضل ما يكون ، كل ما كان يقدمه الرجل موجود هنا ما يجعلني
أضع هذا الفيلم و بضمير مرتاح كأفضل فيلم كوميدي في تاريخنا السينمائي و من أفضل الكوميديات
التي قدمتها السينما عموماً .
ما يثير
انتباهي في هذا الفيلم في كل مشاهداتي له - التي تخطت حاجز العشرين مُشاهدة مثلاً
- أن فطين بعيداً
عن بصمته الواضحة و المميزة في البناء الكوميدي للفيلم أن هناك عنصر مهم قدمه الرجل
بشكل مميز جداً و لم يلفت الانتباه كثيراً ، الرجل هنا كمن يرسم خطة جريمة - جريمة
كوميدية - يشترك فيها كل أبطال الفيلم بشكل مباشر أو غير مباشر ، كذبة صغيرة تحولت
مع قليل من الوقت و المجهود و الصدفة المُدبرة و الغير مُدبرة إلى حديث المدينة بأكملها
، يلعب فطين هنا بالصوت
، يُخبرنا مُبكراً بشكل غير مباشر ربما من سيشترك في الخطة و من ستنطلي عليه الكذبة
، صوت كل شخصية من شخصيات الفيلم يسبق دائماً ظهورها أمامنا على الشاشة ، تلك التفصيلة
هى مدخل جميل و سريع للتعريف بالشخصيات ، تظهر شخصية محروس - التي
يؤديها الكبير عبدالمنعم إبراهيم بخفة
ظل و رشاقة اعتدناها منه - في أول مشهد و هو يقلد صوت يوسف
وهبي ، هذه
بداية تعارفنا على شخصية عبدالقادر النشاشجى ، لماذا
يقلد صوته عبدالمنعم إبراهيم ؟ لا
نعرف بعد ، تقليد الصوت يخبرنا و يخبر زوجته بأنه مشغول جداً فى عمله ، تنتهى المكالمة
و يظهر عبدالقادر النشاشجى ؛ سكّير
، عائد إلى منزله فى وقت متأخر يمسح أحمر الشفاه من على شفتيه و وجهه ، هذا التناقض
بين ما يقوله التقليد و بين ما يحدث فعلاً هو حقيقة الشخصية ، فى صباح اليوم التالي
على مائدة الفطور يتكلمون عن حسين الذى
سينزل إلى الفطور بعد 3 دقائق بالضبط فتتأفف زوجة العم من الحديث عنه ، ثم نسمع صوت
حسين العالي
الذى يتجادل مع شخصية عبدالمنعم إبراهيم ، نفهم
من الكلام أنه شخصية لا تعرف الكذب ، و لن يكذب من أجل أحد ، ثم يظهر حسين بهيئته
المحافظة و نظارته الواسعة و ربطة عنقه الضيقة و شاربه الكلاسيكي جداً ، ثم يظهر صوت
شخصية سميحة عبر التليفون
و لكننا لا نسمعه ، هنا فطين يبنى
خطوط قصته ، تتحدث سميحة عبر التليفون
فتقترب الكاميرا من وجه حسين مع انطلاق
موسيقى رومانسية حزينة بعض الشيء على شريط الصوت ، خطوط القصة و ملامح الشخصيات تم
تقديمها في ثلاث مشاهد ، رشاقة يتحرك بها فطين
عبدالوهاب بدون
رغى و بدون حشر مواقف لا طائل منها ، في الثلاث مشاهد تفجرت كمية ضحكات معقولة جداً
، مُقدمة بتوازن جميل .
عندما
تتطور القصة بعد ذلك و يبدأ عبدالقادر و حسين و محروس في تنفيذ
خطتهما الصغيرة لإيقاع سميحة في حب
حسين نكون
نحن كمُشاهدين على وعى تام بالدور الذى ستلعبه كل شخصية ، ليُفجر فطين كل ذلك
في مشهد كوميدي عبقري تؤدى فيه الشخصيات الدور الذى لمّح له فطين من البداية
من خلال طريقة ظهور أصواتهم ؛ مشهد اكتشاف صورة هند
رستم ، عبدالقادر
يتلاعب بحقيقة التظاهر التي يجيدها ، يتظاهر
بعدم معرفته أي شيء و يستغل فطين هنا قدرات
يوسف وهبي المسرحية
الكبيرة و يمنح الممثل الفرصة للإلقاء و الزعيق بما يتناسب مع الدور الذى يلعبه من
ادعاء جهل و عدم معرفة ، شخصية حسين التي
لا تعرف الكذب كاد أن يعترف أمام الجميع بالكذبة المُتفق عليها لكن عبدالقادر يمنعه
برد فعل كوميدي جميل ، سميحة البريئة
الجميلة تنخدع كلياً بما حدث ، ثم يأتي صوت محروس عبر الهاتف
مُقلداً صوت هند رستم في لقطة
كوميدية عظيمة ، هذه المرة الأولى التي سنسمع فيها صوت هند
رستم التي
تظهر بشخصيتها الحقيقية في نهاية الفيلم في دور قصير و بإطلالة و حضور طاغي جداً ،
طريقة تقديم الصوت / الشخصية توحى بذكاء لافت بالدور الذى ستلعبه الشخصية ، الشخصية
تم توريطها لتحقيق هدفاً معيناً لكن حجم التوريطة كان أكبر مما تخيله الجميع ، الشخصية
نفسها ستلعب دور هام بعد ذلك في تضخيم حجم التوريطة أو الكذبة ثم إنهائها بعد ذلك ،
كأنّ ظهور صوت هند رستم أول مرة
بهذه الطريقة يُخبرنا بأن الشخصية ستتورط في الكذبة بعد ذلك و لكن ليس بالشكل الذى
تورطت به باقي الشخصيات ، موهبة فطين عبدالوهاب الكبيرة
تظهر جلية واضحة في مشهد اكتشاف صورة هند
رستم ، مع
مخرج آخر كان من الممكن أن يتحول الأمر إلى فوضى ، لكنه أولاً يستند على سيناريو و
حوار مكتوبين بإحكام ، ثانياً يبنى إيقاعاً تصاعدياً كوميدياً جميلاً للمشهد يتحدى
فيه نفسه مع كل لقطة جديدة يعلو فيه على كل ضحكة قدمها في كل لقطة ، ثالثاً يستغل ممثليه
أفضل استغلال ، كلٌ في مكانه ، و رابعاً هناك أسلوبيته الجميلة في تقديم شخصياته و
التي تتضح كُلياً في هذا المشهد حيث الإيحاء الذى وصل إلينا عن كل شخصية
في أول ثلاث مشاهد من الفيلم يتم التأكيد عليه و استغلاله أفضل استغلال في هذا المشهد .
أسباب
كثيرة تجعل من هذا الفيلم جوهرة حقيقية بين كل ما قدمته السينما من أفلام كوميدية على
مر تاريخها ؛ أسباب كثيرة وراءها اسم واحد : فطين
عبدالوهاب .
ممكن حساباتكم تويتر ياصحاب المدونه
ردحذف