كتب
: فراس محمد
التقييم : 4/5
بطولة :
كولن فاريل ، ريتشل فايز ، ليا سيدو
إخراج :
يورغس لانتيموس (2015)
اعتاد
المخرج اليوناني يارغوس لانثيموس ان يهدم
هياكل الواقع ويُعيد بناءها وفق صيغ جديدة ، يُجرد فيها المفاهيم ويعطيها صفة القيادة
الانسانية والغريزية لشخصياته ، ليرسم لنا صورة قاتمة عن مستقبل المجتمع البشري وميوله
نحو الانحدار والتصدع التدريجي ، صورة هشة عن الانسان المنزوع الجنسية ، يفرض قوانين
جديدة ويجسدها تجسيداً افتراضياً ليبحث من خلالها على بذور التمرد كما يقدم صور الانصياع
والخضوع لها ، فلمه هذا لا يقل افتراضاً " منطقياً " عن تحفته Dogtooth او Alps ، عن
المشاعر المشتركة ، عن جذر المجتمع التقليدي المعنون بالعلاقة بين شريكين ، نزع من
سيناريو فلمه "كلمة الحب" واستعاض عنها بكل البدائل الممكنة ،
رغم انه تركها حاضرا في شرش الفلم وصُلبه ، عن النظام الانساني كيف يُحتضر تحت اي قوانين
واي وسيلة لسنها ، السياسة في هذا الفلم معادل الحب ، معادل الصدق ، معادل القانون
، حيث يجب لشخصياته ان ترتبط خلال مدة معينة ، والا سوف تُنزع عنها الصفة البشرية ،
عنوانه العريض حاك حوله كل حيثيات وقوانين عالمه الافتراضي الواقعي ، متى يكون هناك
حاجة للآخر ، وبأي وسيلة ، الحب ، المشاعر ، ام الخروج من الورطة القانونية ، وكيف
يصبح الحب تحت قوانين ناظمة ، وما اختلاف الحب عن السياسة في هذه الحالة ، قوانين خلقت
نوعين من المناخات ، مناخ راضخ وآخر متمرد ومقاوم ، ما الدي جمعهما وكيف افترقا ، هذه
الاسئلة ، بنى على اساسها بُنيته الحكائية الجريئة في كل شيء ، العالم لم يعد تابعاً
لدين او لعرق او لأديولوجيا او لجنسية ، بل تابع لمفهوم الارتباط والحاجة ، ومنه فُرزت
الفئات ، اختلفت معها قيم الحرية ، وقيم الخضوع للقانون ، وبدأت شخصياته بالبحث كما
المادة الحية عن خلاصها ، ودوما في افلامه الخلاص مدموغ بالدم ، لانثميوس ، رغم كل
افتراضاته هو اكثر مخرجي اليوم تصويراً لنقاط ضعف الانسان وعقليته المُنتجة للقوانين
وتقديسها والرضوخ لها والتمرد عليها ، يحمل فلمه هذا عمقا غير واضح المعالم ، يتأسس
من الكادر الاول ، حيث يضغط على مشاهديه بضرورة التأقلم مع الواقع الجديد المرسوم ،
ويبدأ بسلسلة تلميحات يضع فيها نقاط ذلك الواقع على حروفه ، تنتهي فترة الاكتشاف والتأقلم
لتبدأ بعدها مرحلة التورط ، لهذه العوالم تداعياتها ، ولهذه الشخصيات نوازعها وانسانيتها
المبتورة ، لتنمو من بذرة الضحية ، وحش الفلم الغارق بالعنف والمُلوث برواسب المجتمع
التي صنعت منه روبوتاً ، خياره العقابي الا يكون بشرياً ، وخياره الثوابي ، ان يكون
كاذباً في مشاعره ، بشكل بشري .
الفلم
الحاصل على جائزة لجنة التحكيم في مهرجان
كان الاخير
، يؤكد ان كل التداعيات البشرية التي انتجت كل الفلسفات الحياتية عاجزة عن انتاج مجتمع
متناغم منسجم غير مفتعل ، عاجزة عن تحسين قدرة الانسان على ممارسة انسانيته ، وان بذور
التمرد لا تصحح ، بقدر ما تزيد التعقيد تعقيدا ، وتعطي قدرة جديدة لتوليد ديكتاتوريات
جديدة لا اكثر ، العالم منافق اكثر من قدرة الانسان على الاحتمال ، فتختفي الملامح
البشرية لتظهر كل الملامح البديلة ، ومن قال في الفلم ان التحول لحيوان امر عقابي ،
ومن قال ان الحب ينتج بالصدق ، الكل منافق في هذا الفلم الثقيل الظلال ، وكل المنافقين
، رابحين .
0 التعليقات :
إرسال تعليق