الأحد، 24 يوليو 2016

Misery

كتب : أحمد أبو السعود

التقييم : 4.5/5

بطولة : كاثي بيتس ، جيمس كان
إخراج : روب راينر (1990)

يخلق روب راينر حالة من التواصل البصرى الفعّال مع شخصية آني ويلكس ، بداية من أول ظهور لها على الشاشة انتهاءاً بمصيرها المُفجع مروراً بالتصاعدات النفسية المُعقدة التى تُحدثها الشخصية طوال الأحداث .

تُخبرنا الصورة مُبكراً جداً أن شخصية آني ويلكس هى شخصية مشوهة حتى و إن لم يتضح لنا كمُشاهدين أى ملامح لتلك الشخصية ، هناك من يُنقذ الكاتب المشهور بول شيلدون من موت محقق تحت عاصفة ثلجية شديدة ، لا نرى سوى يد ذلك المُنقذ ، ثم يظهر صوت المُنقذ على شريط الصوت ناطقاً الجملة الشهيرة : I'm Your Number One Fan ثم يظهر وجه الشخصية و لكن روب راينر يُظهره لنا فى جزء زمنى لا يتعدى الثانية الواحدة Blurred ، مدخل سريع و فعّال جداً للتعريف بالشخصية التى تبدو أمامنا ودودة و لطيفة ، جزء من قوة السيناريو هنا أنه يُقنعنا فعلاً فى البداية بأنها شخصية ودودة و لطيفة ، و كاثي بيتس- فى أداء عبقرى - تتولى المهمة على أكمل وجه ؛ ضحكتها البريئة ، نظراتها ، أداءها الحركى المتزن ، و براءتها و خجلها فى كل جمل الحوار ، ثم يأتى مشهد ما ، مشهد عادى لا يوحى بأى شىء ، حوار اعتيادى بين الكاتب المشهور و مُعجبته الشديدة ، تُبدى رأيها فيما قرأته من روايته التى لم تُنشر بعد ، تتحدث كاتى بيتس بخجلها الذى اعتدناه ثم يأتى انتقادها الوحيد للرواية على الألفاظ الخارجة فيها ، هنا تتشكل لدينا صورة أوسع و أشمل لشخصية آني ويلكس ؛ ملابسها المحتشمة جداً ، الصليب الذى تعلقه على رقبتها ، عزلتها فى بيت منعزل بدوره عن القرية بأكملها ، ثم انتقادها للألفاظ الخارجة المنتشرة فى الرواية ، روب راينر فى هذا المشهد يختار زاوية تصوير و حجم كادر يُظهران آني ويلكس بشكل مخيف إلى حد ما ، كأنه ينتقل بالبناء البصرى للفيلم إلى مرحلة جديدة من التعقيد النفسى و الرعب ، نلاحظ هنا أن بول شيلدون تعامل مع انتقادها فى البداية باستهتار خفيف و حاول أن يفسر لها سبب وجود الألفاظ الخارجة فى الرواية كالشخص الذى يحاول أن يفسر لطفل صغير شىء يبدو بديهى و خارج إطار إبداء الأسباب ، هنا تثور آني ويلكس فى مونولوج قصير صاخب يُعطينا لمحة قوية عن التعقيد النفسى الذى تحمله بداخلها ، مع الحفاظ على نفس زاوية التصوير و حجم الكادر و دخول موسيقى موترة على شريط الصوت و يقطع روب راينر مرة على وجه توم شيلدون الذى يبدو عليه الاستغراب .. قوة السيناريو من الممكن أن نلمحها بشدة فى هذا المشهد : السيناريو لم يأخذ وقتاً طويلاً للتأسيس النفسى للشخصيات بل هو يترك الأمور تسير فى مسار طبيعى حتى يأخذ من المُشاهد رد فعل المعايشة ؛ رد فعل توم شيلدون على انفعال آني ويلكس ، و يُضيف روب راينر للسيناريو حالة بصرية قوية و فعّالة تبنى شخصية آني ويلكس بشكل تصاعدى يجعل من تفاعل المُشاهد معها تجربة مُرعبة بحق .

جزء آخر من جمال السيناريو أنه خلق حالة من التواصل بين شخصية "ميزرى - بطلة روايات توم شيلدون" و بين آني ويلكس ، نحن لا نعرف أى شىء عن ميزرى و لكن السيناريو يُخبرنا تدريجياً عن آني، فى أحد مشاهد الفيلم عندما يحاول توم شيلدون الهروب و يحاول فتح الباب يقول لنفسه : لقد كتبت عن هذه الأمور ، يُمكنك فعلها .. ثم يفعلها و يفتح الباب ، ظلّ سنوات كثيرة يكتب عن شخصية مُظلمة و معقدة نفسياً حتى أنه أسماها ميزرى التى تعنى بؤس ، و لكنه فى الحقيقة لم يقابل مثل هذه الشخصية ، ثم يقابل آني ويلكس ، آني هى ميزرى ، آني انتفضت غضباً عندما قرأت فى آخر روايات توم شيلدون أن ميزرى ستموت ، يقول لها بأن روحها ستظل موجودة ، ترد بكل عنف بأنها لا تريد روحها ، هى تُريدها هى ، تُريد الشخصية أن تظل حية ، تتهمه بقتل الشخصية ، ثم تقرر معاقبته بشكل صريح و واضح ، ستحبسه ، ستُدخله معها فى عُزلتها ، ستجعله يحرق روايته التى لم تُنشر بعد كنوع من التطهير لأنها - حسب كلامها - ظهرت له كى تُنير له الطريق السليم و تُطهره من آثامه ، تفرح آني ويلكس - كالطفلة - بعد ذلك عندما تجعل توم يُرجع ميزرى إلى الحياة ثانية فى رواية جديدة تجعله يكتبها ، نقطة يستغلها توم فى نهاية الفيلم كى يتخلص من سجن آني.

لا يقع روب راينر فى فخ اللعب البصرى المُبالغ فيه ، الفيلم يبدو بسيطاً على المستوى البصرى ، لا زوايا تصوير غريبة ، لا إضاءة قوطية منتشرة طول الفيلم ، الرجل يختار زاوية التصوير التى تعطى لآني هالة من الرعب تجعلها تبدو كوحش فعلاً ، كالمشهد الذى دخلت فيه على توم و هو نائم بعد اكتشافها أن ميزرى ماتت ، أو المشهد الذى تثور فيه عندما تتحدث عن المسرحية التى شاهدتها منذ فترة ؛ تبدأ اللقطة متوسطة و تتنهى بكلوز على وجهها ، و تتحرك الكاميرا بشكل يُحافظ أولاً على زاوية التصوير إياها و ثانياً يخلق تلك الهالة المُرعبة التى تجعل المُشاهد ينتفض رعباً من آني ويلكس .

كاتى بيتس تتألق هنا بشكل غير اعتيادى ، مزيج من عظمة أداء كُلاً من بيت ديفس فى بيبى جاين و أنتونى بيركنز فى تحفة هيتشكوك سايكو ، شخصية آني ويلكس نفسها تبدو مزيجاً من الاثنين ، تُحافظ كاثي بيتس طوال الوقت على أداء حركى يتأرجح بين البلاهة و السذاجة و الجزء الطفولى فى شخصية آني ويلكس و بين الجوهر الحقيقى للشخصية : وحش لا يرحم ، فى الحقيقة الجزء الطفولى الساذج من الشخصية ماهو إلا غطاء مُزيف للجحيم النفسى الذى تحمله الشخصية و كاثي بيتس تتفهم ذلك بشكل عظيم ، تتحول هى كُلياً فى مشاهد الغضب إلى وحش : الأداء الحركى ، النظرات ، تعبيرات الوجه ، نبرات الصوت ، وحش قاتل يكاد ينقض علينا من الشاشة .

يقول روب راينر أنه أثناء مرحلة كتابة السيناريو كان هو و ويليام جولدمان - السيناريست الذى استدعاه راينر للقيام بعملية الاقتباس - يتخلصان من أجزاء كثيرة شديدة الرعب موجودة فى رواية ستيفن كينج و أنه أراد أن يُركز أكثر على فكرة مباراة الشطرنج التى يتم بناءها طوال الفيلم بين الكاتب و مُعجبته ، فخرج الفيلم فى النهاية أصيلاً ، قوياً ، ذا شخصية جعلته صامداً و مُحتلاً مركزاً متقدماً فى أى قائمة أفلام رعب .


0 التعليقات :

إرسال تعليق

Flag Counter