كتبت : فاطمة توفيق
التقييم
: 3.5/5
بطولة
: بري لارسن ، جايكب تريمبلاي
إخراج : ليني آبراهامسن (2015)
إليزابيث فريتزل، جايسي دوجارد، ناتاشا كامبش، إليزابيث سمارت، وغيرهن العديدات ممن تعرضن للاختطاف وتم إخفائهن
لمدد طويلة من قبل مختطفيهم حتى تم العثور عليهن. حينما قرأت لأول مرة عن فيلم (غرفة) للمخرج ليني آبراهمسن
توقعت أن يكون الفيلم خير تعبير عما عانته هاته الفتيات، ولكن لم يكن الفيلم بقدر توقعاتي.
سأُقسّم الفيلم عند حديثي عنه إلى نصفين،
النصف الذي يحكي عن فترة الاختطاف والنصف الذي يحكي عن الحياة بعد إنقاذ الفتاة وابنها
منه. في النصف الأول والذي لم تخرج الكاميرا منه خارج الغرفة، برع الفيلم في تقديم
كيفية وقدرة تأقلم الفتاة مع ما يحدث وهي صاحبة تجربة سابقة لها في الحياة خارج هذه
الغرفة، وكيف يتعامل ابنها مع هذا العالم الصغير الذي ولد فيه وتلخص عالمه كله بين
جدرانه. من المهم هنا إدراك أن الفيلم في هذا النصف يحكي عن قرب انتهاء تجربة الاختطاف
والذي حدث منذ سنوات عديدة، وبالتالي هو يحكي عن التأقلم مع المعاناة وليس المعاناة
نفسها، عن محاربة أم من أجل الحياة بل وخلق حياة تكفي طفلها الصغير، في هذا النصف الأول
نجح الفيلم في أن يأسر مشاهديه في الغرفة بتلك التفاصيل الصغيرة التي عرضها ببراعة
لم يتعرض لها فيلم من قبل، كيف استطاع المخرج أن يخلق عالما بين أربعة جدران، عالما
يكفي لحياة شخصين واستيعاب مخيلة طفل صغير، كيف عَرَض تعامل الفتاة مع ابنها، والطريقة
التي كانت تختلق من أجله حقائق ليعيشها ويصدقها، كيف يتعامل الطفل مع هذا العالم الصغير
وكيف استطاع الفيلم أن يجعلنا نراه من خلال عيني هذا الطفل. ولكن مع هذا يعيب هذا الجزء
من الفيلم عدم قدرته عن التعبير عن معاناة هذه الفتاة بشكل كاف، حتى وإن لم يكن هذا
هو الغرض الرئيسي من هذا الجزء الفيلم، ولكن أعتقد أن هذه المعاناة كانت يجب أن تكون
في خلفية الأحداث بشكل أوضح وأشد، وأجد أن الفيلم يدين بها لكل هؤلاء الفتيات المختطفات
وأهاليهن، فقد أظهر الفتاة على قدر من الاتزان النفسي لا يليق بتجربتها، حتى وإن كانت
تتعمد هي إظهار أو ادعاء هذا الاتزان لدعم ابنها وتربيته إلا أنه يقل كثيرا عما يمكن
توقعه من فتاة مرت بمثل هذه الظروف، أظهر تعاملها مع مختطفها وتعامله معها بشكل أيضاً
لا يليق بقسوة تلك التجربة حتى بمجرد تخيلها. لم يكن يكفي أبدا ما تم عرضه في الفيلم
ليعبر عن معاناة الفتيات اللاتي مررن بمثلها حتى وإن كان اهتمامه الأكبر منصب على كيفية
التأقلم مع ما حدث معهن، فكل التقارير الإعلامية والتفاصيل المسجلة عن قضايا هاته الفتيات
تحكي عن عدم اتزانهن النفسي والصدمة النفسية والعصبية اللاتي تعرضن لها، وهذا يسهل
تخيله حتى بدون هذه التقارير.
قبل الانتقال للحديث عن النصف الثاني من
الفيلم يجب الحديث عن تلك اللحظات المحورية والتي تم من خلالها الانقاذ، ولا أعرف هل
العيب هنا يعود على الفيلم أم على الرواية المأخوذة منه والتي لم أقرأها، ما أقصده
هنا هو كيف تم الانقاذ، تجربة الطفل وحيدا في بداية الأمر سواء عند مشاهدته للحياة
خارج الغرفة لأول مرة أو محاولته للهروب وتعامله مع الشرطية، كل ذلك تم تقديم ببراعة
تامة إلا أن إنقاذ أمه لم يكن بمثل هذا القدر من البراعة، كان ضعيفا جدا وباهتا مقارنة
بكل ما تعرض له الطفل بل ويصعب توقعه، لماذا أبقى المختطف على الفتاة في نفس مكانها
بعد هرب ابنها؟ هل كان من الغباء بعد كل هذه الاحتياطات ألا يتوقع أن الطفل سينجح في
إرشاد السلطات إلا أمه؟ لحظات الانقاذ هذه كانت ثغرة في منتصف الفيلم، وفي الحقيقة
كانت مُهَيئة للضعف الذي سنجده في الباقي من الفيلم.
النصف الثاني من الفيلم نجح في مد خط واحد
حتى نهايته وهو تعامل الطفل مع الحياة في الخارج، حتى وإن انتاب ذلك بعض الضعف في أحيان
قليلة، إلا أنه نجح في نقله بشكل جيد جداً، وعلى الناحية الأخرى فشل تماما في نقل تجربة
أمه بعد الخروج، فكما كان تناول الفيلم متوسطا في التعبير عن معاناتها بالداخل لم ينجح
أيضاً في نقل معاناتها بعد خروجها بشكل يليق بهذه التجربة، حيث تم تناول حياتها في
الخارج كمحطات فجائية تأتي بين الحين والآخر، كمحاولتها لاسترجاع ذكرياتها، محاولتها
للانتحار، بل كان في هذا التناول شيء من الادعاء ظهر في تشاجرها مع أمها والذي كان
مفاجئا مقتطعا من السياق، شخصية أبيها والتي كانت مضحكة في تناولها من كثر هزليتها،
لا أذكر سوى مشهدين قويين نجح الفيلم في التعبير عن الأم من خلالهما وهما مشهد اللقاء
التليفزيوني، ومشهد العودة إلى الغرفة. ولكن غير ذلك لا أجد شيئاً يستحق التذكر.
أفضل ما في الفيلم كان جيكوب تريمبلاي
تليه بري لارسن، بأداء كل منهما القوي التلقائي والذي يحسب للمخرج في
حسن إدارة كل منهما. أيضاً تصوير الفيلم بألوانه بزوايا الكاميرا وتفاصيل مواقع التصوير
نجح تماما في نقل الحالة المناسبة لكل مرحلة من مراحل الفيلم. ولولا الانتقادات التي
تناولتها في الفقرات السابقة لاستحق الفيلم تقييما أكبر بكثير مما أعطيته.
في النهاية، أستطيع أن أتعامل مع الفيلم
من خلال منظورين مختلفين، منظور رمزي ومنظور واقعي، المنظور الرمزي هو لو أن تجربة
الفتاة وابنها في الفيلم لا تحكي عن تجربة الاختطاف فعلا وإنما تحكي عن حال الانسان
حينما يكون سجينا لفكرة ما أو معتقد ما يعتنقه سواء بإرادته أو بالرغم عنه وكيف يكون
حاله وهو يعيش داخل هذه الفكرة وكيف سيصبح حاله في مواجهة العالم بعد الخروج منها،
وهذا من خلال شخصين، شخص سبق لها الحياة خارج هذا المعتقد وشخص ولد ليجد نفسه فيه،
لو تعاملت مع الفيلم من خلال هذا المنظور فسأجده نجح تماما في التعبير عما يريد قوله.
أما المنظور الواقعي وهو تناول تجربة اختطاف الفتيات وحبسهن والتعدي الجنسي عليهن بل
وإنجاب أطفال من خلال هذه التجربة فأجد أن الفيلم لا يليق أبدا بتناوله في التعبير
أبداً عن هذه المعاناة لأي فتاة تعرضت لمثل هذا الأمر.
0 التعليقات :
إرسال تعليق