كتب : محمد السجيني
التقييم : 5/5
بطولة : ماريا فاكونيتي
إخراج : كارل تيودور دراير (1928)
يقول عماد العُذري في
حديثه عن فيلم Ordet
ان درايير أستاذ في فن التخدير ، وهذا ما حدث معي بالضبط ، منحت العمَل
اعادة مُشاهدة قبل الشروق ، ولم اتحرّك طوال ثمانين دقيقة مُدّة عرضه ، الفيلم
فقدت نسخته الأصلية ثم تم ايجادها في مصحّة عقلية في الثمانينات ونسخته الأصلية
بدون موسيقي تصويريّة ، وهي النسخة التي شاهدتها ، أما الموسيقي الموجودة في أغلب
النسخ هي لريتشارد
انهورن وهي التي لم يرضَ درايير عنها
.
يحكي الفيلم قصّة
مُحاكمة شابة فرنسيّة تُدعي جان دارك - قادت بلادها للثورة ضد الاحتلال الانجليزي
في القرن الخامس عشر - وذلك بسبب اتّهامها بالهرطقة وادعاءها للنبوّة . عظمة هذا الفيلم وريادته في رأيي تأتي علي مستويين ، الأوّل هو تفرُّد
صنفه والثاني هو تصوّر درايير البصري لشكل الحكاية والصنف الذي يحكيه ، تفرّد
صنفه بمعني أن العمل لا يذهب بعيداً في سياقه "التاريخي" او حتّى في
تفاصيل "المحاكمة" ، هو فقط يكتفي بذكر أهمية الحدث التاريخيّة ولا ينجرف
وراء المزاعم أو الحقيقة والكذب ، لكنه يركز بشكل أكثر علي مشاعر بطلته عن طريق
ملامح وجهها وحركات العين ويستخدم في ذلك الكثير من اللقطات القريبة التي تملأ
أكثر من نصف الشاشة تقريباً .
السيناريو يقترب
كثيراً من جان دارك ويلعب علي وتر المُشاهدة والمُعايشة فقط دون الدخول في تفاصيل ،
حتّى في حالات التعذيب لا يدرس وسائل التعذيب ، وانما يهتم بشعور جان دارك وخوفها
وترقُّبها ، بالشكل الذي يجعَل المُشاهد بعد سنوات عديدة قد لا يتذكّر شيئاً
باستثناء وجه جان دارك .
اما بالنسبة للتصوّر
البصري ، اللون الأسود الداكن علي أطراف العدسة ، يعطي الشعور للمُشاهد بأنه طرف
في ما يحدث ومراقباً له ، ديكورات الفيلم مثلاً زاهدة تماماً لتتماهي مع السيناريو
في تقديمه لشخصيّة بطلته ، هذا التقشّف ساعده بشدّة في الخروج من بوتقة المسرح
المونتاج الغير مُتّسق الذي قدّمه درايير متأثراً بنظرية المونتاج ، هذا التدفق
غير المتسلسل للكادرات منح الفيلم حالة أشبه بالضياع وهو ما يتماس بشدّة مع حالة
بطلته وموقفها الحرِج ، هذا التصوّر البصري سينمائي جداً وربّما واحد من أعظم
التجارب البصريّة التي عايشتها علي الاطلاق ، وقد يبدو الحديث في النهاية عن أداء ماريا فالكونيتي
شيء من العبث ، هذا الأداء للمُشاهدة والتأمُّل والدراسة
.
يقول درايير : "لا شيء في العالم يمكن مقارنته بالوجه البشري ، هي أرض لا
يمكن أن يتعب المرء من اكتشافها ، في الاستوديو لا توجد تجربة أعظم من أن تشهد
تعبير على وجه مرهف تحت تأثير القوى الغامضة للإلهام".
0 التعليقات :
إرسال تعليق