كتب : خالد إبراهيم
التقييم : 4/5
بطولة : غيبسن غاولاند ، زاسو بيتس ، جين هيرشولت
إخراج : إيريك فون ستروهايم (1924)
"هذا ليس الأسوأ، الأسوأ أنهم
سرقوا خمس وعشرين عاماً من حياتي." – فون ستروهايم على
فراش الموت
حكاية الفيلم لا مفر منها،
ما حدث قبل وأثناء وبعد التصوير جدير بالقص، لأن تلك الأمور لم تعد تحدث ، مدير يونيفرسال – الطفل
المعجزة – إيرفن ثالبيرج يقوم بطرد فون ستروهايم ، بعد تجاوز
المخرج الميزانية والوقت اللازم لصنع فيلم Foolish Wives ، كانت أول مرة يتم طرد مخرج داخل أستوديوهات هوليوود، من حينها حقق وبرهن
المدير الشاب حقيقة سيطرة الأستوديو على الصناعة، المنظومة فوق الفنان، رغم ذلك بعض
المخرجين الأمريكان العظام نجحوا في التحليق فوق عش المجانين.
فون ستروهايم قرر العمل لدى مترو جولدوين ماير
، بالطبع كان صاحب كبرياء جريح، فقد جعلته يونيفرسال نموذج ومثال، بالإضافة إلى تدمير عمله (زوجات حمقاوات)،
دفاعاً عن شركات الإنتاج لابد ذكر أن ستروهايم كان مفرط في التطرف، يصرف ببذخ على أدق التفاصيل، يستغرق
الكثير من الوقت والمال ولا تحقق أفلامه إيرادات تغطي التكاليف، يقرر الرجل صنع فيلم
(طمع) ، وعد الشركة بأنه لن يقوم ببناء موقع التصوير، لن يقوم كذلك
بالتصوير داخل الأستوديو، سيذهب إلى الأماكن المذكورة في الرواية المقتبس منها مباشرة،
بالفعل ذهب إلى الأماكن المنصوص عليها في الرواية، لكنه في النهاية فون ستروهايم،
قرر إعادة فتح منجم تم غلقه منذ زمن كتابة الرواية، قرر الذهاب إلى (وادي الموت) المنقطع
عن المدنية لتصوير مشهد الختام، في ذلك الوقت كان يتم التصوير في صحراء كاليفورنيا
بدلاً من وداي الموت حيث لا حياة بالجوار ودرجة الحرارة جنونية، طاقم العمل
كان على شفى الجنون ويُشاع أن المخرج كان يحتفظ بمسدس أثناء نومه، قبل كل قصص هيرتسوج ، في المشهد
الختامي يصرخ من خلف الكاميرا في الممثلين أثناء تصوير شجار بينهما، "اكرهوا بعض! اكرهوا بعض
كما تكرهوني!".
التصوير استغرق سنتين،
القطع كان له قصة كبيرة أخرى، الفيلم تحول مما يُقارب العشر ساعات إلى ساعتان ونصف،
ثالبيرج – لِحَظّ ستروهايم – أصبح مديراً لدى مترو ، العداوة السابقة لم تُنسى بتلك
السرعة، تم اقتصاص الفيلم عدد من المرات بدون الرجوع إلى مخرجه، تم حذف القصص الفرعية
وشخصيات لها أهميتها الدرامية، رغبة من الأستوديو في جعل الفيلم أقصر، بالإضافة إلى
أنهم وجدوا بعض التفاصيل والشخصيات منفرة للذوق العام، ستروهايم أصابه ضرر كبير
مهنياً ونفسياً مما حدث، فالفيلم بنسخته الصغيرة لم ينل رضا النقاد أو الجمهور، الأسوأ
أنه لم ينل رضا ستروهايم، حتى أنه وصف الفيلم بالمسخ الذي لم يعد يتعرف عليه، شبَّه
الأمر بالحبيبة التي تعرضت لحادثة كبيرة شوهت ملامحها، الشرطة تريد منه التعرف على
"الجثة"، هو فقط يتذكر كيف كانت الحبيبة، لا يعرف تلك الجثة المشوهة.
القصة لم تنتهي هنا، ففي
السبعينات تم نشر السيناريو الأصلي للمخرج مصحوباً بعديد الصور من نسخة المخرج الأصلية،
في التسعينات تم الاستعانة بالسيناريو والصور ودمجهم مع النسخة الناقصة في محاولة لإستعادة
هيكل الفيلم الذي أنجزه ستروهايم ولم يره قط سوى إثنى عشر صديقاً.
على الرغم من كل شيء،
أصبح الفيلم – بنسخته المبتورة – موجود في قوائم أعظم أفلام السينما، صار محط إعجاب
أسماء مثل رينوار، ويلز، فيسكونتي، آيزنشتاين، وايلدر، لوبيتش، ستيرنبرج. ستروهايم أجاد استخدام تصويرDeep-Focus قبل أن يتم اكتشاف (المواطن كين)، على أي حال
الجميع تأثر بالباروكية، أيضاً ستروهايم كان له ريادة في استخدام الكاميرا الخفية رغبة منه في
التقاط مشهد أكثر طبيعية، فخبأ كاميرا داخل سيارة، طلب من ممثلته الخروج إلى شارع حقيقي
والصراخ في الناس بأن شخص ما ميت داخل أحد المباني، أحد المشاهد المحذوفة كان أكثر
من أربعين دقيقة لا يرصد تطور القصة، بل يعرض لنا حياة السكان – الشخصيات الفرعية
– داخل المبني الواحد، تهيئة الجو العام وأفعال كل يوم بالنسبة لكل شخصية، الأمر الذي
كان غير مفهوم وغير مقبول من الأستوديو.
ستروهايم كذلك اصابه حزن بالغ
لضياع مجهود طاقم العمل والممثلين المتفانين، بعضهم أصابه ضرر بالغ أثناء التصوير،
مع ذلك تم حذف كل مشهد كانوا به، ستروهايم وضع روحه في الفيلم، ووصفه بأنه الفيلم الأقرب له، هو
بالفعل خلاصة أعماله القليلة، المثال الأهم لسينما القسوة التي كان رائدها، الواقعية
الاجتماعية التي أعلنها ثائراً على هوليوود، الفيلم ليس به شخصيات عالية المستوى كما
العادة وقتها، حتى عندما توافر المال للشخصيات صارت الأمور أسوأ والذوق أكثر فساداً،
كالوليمة حيث لم يعتد المشاهد على مشاهدة ممثلين يأكلون بكل تلك الضراوة، ستروهايم كذلك
لم يغفل تأثير واستخدام الجنس بين شخصياته، لكن طبعاً بتلميح كان يزيد مع كل فيلم له.
لجأ الفيلم إلى استدراج
المُشاهِد عن طريق شخصيات تبدو طيبة، لكنها شخصيات طيبة لأنها لم تُختبر! ، فالمخرج
لا يؤمن بأن الشخصيات تتغير من حال إلى حال بسبب المال، بل فقط تبدو على حقيقتها، عند
الاختبار يمكن رؤية الطبيعة المتوحشة للإنسان، لذا كان استخدام ستروهايم للحيوانات
والطيور، ليصبح توازياً مع حال شخصياته، ففي مشهد القط والعصفور، سيري البعض أن القط
المتربص هو القدر أو المال الذي يرغب في إلتهام العصفورين (الزوجين)، بينما
على الأرجح أن ستروهايم يعتقد أن القط والعصفور الاثنين بشر، فقط الظروف اللحظية
هي من تجعلهما فريسة ومفترس.
الساعات المقتصة من الفيلم
لم يعد لها وجود، رغم أنها أصبحت بمثابة كأس السينما المقدس، فكل فترة زمنية يُشاع
أن أحدهم وجد نسخة كاملة في منطقة مختلفة من العالم، لكن ما نعرفه أن شركات الإنتاج
في ذلك الوقت كانوا يقومون بحرق ما تم الاستغناء عنه من مادة الفيلم لإعادة التدوير.
الفيلم الصامت ناطق جداً،
هناك الكثير من العناوين الإيضاحية، ستروهايم لم يكن مولع بالمونتاج وألاعيبه، كان أكثر ميلاً إلى الأدب،
يقسم الفيلم إلى فصول، يبدأ وينهي المشهد بلقطة (آيريس)، يجعل الفيلم متدفقاً
كنص شعري، يأخذ الكثير من اللقطات المقربة، نظرته المتعمقة تنتظر حتى تبدي له الحقيقة
وجهها، لذا كان لا يعول على الوقت حتى يستكشف تلك الحقيقة.
"لديه فقط قاعدة إخراجية واحدة،
فلتأخذ نظرة قريبة من العالم، استمر في فعل ذلك، في النهاية سيبدو لك العالم متجرداً
بكل قبحه وقسوته." – أندريه بازان
0 التعليقات :
إرسال تعليق