كتبت : زهراء إبراهيم
التقييم : 3.5/5
بطولة : دانيال داي لويس ، كاثرين
كينر ، كاميلا بيل
إخراج : ريبيكا ميلر (2005)
ريبيكا ميللر تمتاز بحكاياتها
الواقعية الغارقة في التفاصيل والجوانب النفسية العميقة التي تؤيد واقعيتها
المفرطة، تأتي هذه الواقعية على الأغلب في قصص ميللر على هيئة
علاقات معقدة، غير سلسلة، تحمل تاريخًا ومسارًا غريبًا يؤدي إلى وضع حاضر مستقر
على فوهة بركان سينفجر في أية لحظة.
الفيلم الذي يأتي
بعنوان رومانسي جميل "The Ballad of Jack and Rose" يستعرض علاقة معقدة
بين أب وابنته. تهيمن على الفيلم الضبابية منذ بدايته، متعمدًا وضعنا في حيرة
مقلقة قبل أن نعرف هل هذه علاقة عاشقين أم أب وابنته. يبدأ الفيلم برجل وفتاة ينامان
متجاورين على أرض خضراء وينظران للغيوم مع ابتسامة رضا تعلو وجهيهما، يمكننا الآن
القول بأننا دخلنا عالمًا من الرومانسية الهادئة، نفاجأ بعدها بنزولهما سريعًا من
سقف بيتهما الأخضر ليستقلا سيارة تهدر حتى مكان حداثي تحت الإنشاء، من الواضح أن
هناك عداوة بين الرجل وهذه "المنازل البلاستيكية"، متحدثًا مع الفتاة عن
مستقبل هذه التجمعات كجاتو منغلق لا يسمح بدخول الآخرين. يتضح بعد ذلك نوع الحياة
البوهيمية التي يعيشانها في منزل خشبي منعزل في جنوب جزيرة، تحيط بهما الغابات.
جاك وروز أب
وابنته، يدور الفيلم حول الفترة الأخيرة في حياة جاك المصاب بمرض عضال، روز فتاته
الصغيرة هي كل ما بقي له في الحياة ومن مجتمع الهيبيز الذي تفرق منذ سنوات طوال،
حتى زوجته تركتهما. هذه هي العزلة الأمثل لتكوين علاقة مضطربة ومستقبل ضبابي غير
واضح. الرجل - الذي يحمل تاريخًا على ظهره ويريد التمسك به ومد خطه على استقامته
لتسيير العالم من حوله على هذ الفكرة اليوتوبية الحالمة، التي تمثلت يومًا في
مجتمع الهيبيز في ستينات القرن الماضي - لم يدخل ابنته مدرسة نظامية، ولم يدع ثغرة
للعالم الخارجي كي يمر منها إلى كهفهما المريح، حين يدرك أن ما بقي له في الحياة
ليس كثيرًا، وأن ابنته الصغيرة ذات الست عشرة عامًا ستخرج فجأة للعالم بدون
مقدمات، يقرر أن يحضر امرأة وولديها إلى البيت.
دائمًا ما تطرح ميللر صراعات
نفسية عميقة لا يظهر منها إلا قمة جبل الجليد، لا تعبر عنها إلا لمحات بسيطة لكنها
تحمل الكثير كإشارات تعبيرية. كقبلة الفتاة لأبيها بعد خصامهما وتركها للبيت، ثم
وضع الأب باطن كفه على وجهها وكفه الآخر على جبهته مستغفرًا من ذنبه. الحديث عن
العلاقات المعقدة أمر جذاب للراوي، لكنه أمر شائك ودقيق في الوقت ذاته. إدخال
أشخاص آخرين للحكاية يحمل كل منهم مجموعة مختلفة من الصفات تجعل تعاملهم مع هذه
العزلة غير متشابه، بين رغبة مادية وبحث عن الأمان في الأم إلى فتى لا يرى في
الفتاة سوى هدفًا جنسيًا قائمًا وحتى الأخ الأكبر الذي يرى ما وراء تصرفاتها
المندفعة وعنادها البرّي غير المنضبط. هكذا تعيد القصة تكوين مجتمع آخر على هذه الجزيرة،
لكنه مجتمع إنساني عادي هذه المرة يطرح جميع الاحتمالات.
في أفلام ميللر لا مجال
للرمزية على الإطلاق، إنها مجموعة بورتريهات، من المحتمل أن تلتقي مع حياة
الكثيرين كمرآة مصقولة بنسبة كبيرة، تلك النوعية من الأفلام تخيفني شخصيًا لأنها
تقضي على مفهوم الهرب من الواقع إلى الشاشة الساحرة، لكن في عالم ميللر فإن هذا
العنصر لا يغيب في الحقيقة، إنها تستخدم طريقة سردية تجبر المشاهد على الانتظار،
وتثير فضوله نحو جوهر القصة الحقيقي، وتجعلها أقرب لحكاية شخصية ينبغي عليه تفكيك
عناصرها وحلها في أقرب وقت؛ لأن عبء هذه الحكايات واقعي للغاية.
0 التعليقات :
إرسال تعليق