كتب : ياسر ريحاوي
التقييم : 4.5/5
بطولة : جان بيير كارغول ، فرانسوا
تروفو
إخراج : فرانسوا تروفو (1970)
أقوم بصناعة أفلام
مشابهة للأفلام التي كنت أود رؤيتها عندما كنت صغيراً – فرونسوا تروفو
يتناول تروفو قصة حقيقية وقعت عام 1798 وهي قصة غريبة تتحدث عن طفل (فيكتور) يعثر
عليه في إحدى الغابات في حياة وحيدة منعزلة جعلته غير قادر على الكلام أو القراءة
أو أي نوع من أنواع التواصل البشري, يهتم به أحد الأطباء الذي يسمع بقصته ويبدأ مهمة
سيأخذنا تروفو في أدق تفاصيلها طوال مدة الفيلم, وهي مهمة تعليم الطفل
ومحاولة إعادته لطبيعته البشرية.
لا يصل فيكتور مباشرة إلى يدي الطبيب, قبل وصوله يتعرض لحادثة مهمة
توضح بداية الجانب السوداوي الذي سيتخذه الفيلم لاحقاً, يعرض الطفل كحيوان سيرك
على مجموعة من المتفرجين الذين يجدون في غرابة قصته تسلية وإثارة لا تخلو من بعض
التعذيب والاستهزاء, قد تذكرنا القصة في هذا الجانب تحديداً بفيلم تود براونينغ Freaks
الذي امتدحه الفرنسيون
وربما فإن تروفو نفسه هو أحد المتأثرين به, على أية حال هذه المشاهد هي
البداية وحسب وليست ما يهم الفرنسي في قصته.
ما يهم تروفو تحديداً هو ما يحدث لاحقاً, ينتقل فيكتور إلى السكن مع
أحد الأطباء والذي يسمى جان, يؤدي دور الطبيب فرونسوا تروفو نفسه, تفاصيل العملية التي يقوم بها الطبيب تشكل
مشروع تروفو الفكري وقصته العاطفية التي يبدع في روايتها, الفيلم
سيكون مثيراً للاهتمام لأي شخص في مجال التعليم أو التربية والسبب اهتمام تروفو بإعطاء كل
تفصيل حقه, بداية تعلم فيكتور للكلام, للأكل, لمعرفة الأشياء من حوله, كلها تعطى
أكبر قدر ممكن من الاهتمام, هذا ما يلاحظ تحديداً في هذا الفيلم وما يتميز به عن
أفلام تروفو الأخرى, ربما أكثر من أي فيلم آخر شاهدته له فالتركيز
هنا في المقدمة على الجانب النفسي والفكري والسوداوي قبل العاطفي, هذا ليس انتقاد
لأفلامه الأخرى وإنما توضيح لما يتميز به هذا الفيلم عن غيره, حتى أن قسوة الألوان
واستخدام الموسيقى المخفف إلى حد مقارنة مع أفلامه الأخرى يجعله عملاً أكثر كآبة
وقسوة.
أداء تروفو لدور الطبيب بنفسه كان الرمز الأوضح لرغبته ومشاعره
الشخصية, المحاولة للتواصل مع الطفولة المفقودة والتي يتذكرها دائماً, العملية
التعليمية بكل تناقضاتها التي تجعل الطفل في سجن لا يتناسب أبداً مع مرحلة عفوية
اندفاعية يعيشها مقابل حصوله على معلومات يحتاجها في حياته, المحاولة للاحتفاء
بالطفولة وجمالها لا يبدو مفتعلاً أو استجدائياً في طلب مشاعرنا, تروفو يتعامل
هنا بقدر كبير من الواقعية ويعطي فيكتور والعملية كلها ثقلاً وتوتراً يجعلنا نفرح فعلاً مع كل
خطوة يتقدم بها جان إلى الأمام أو يصيبنا بخيبة الأمل عند حدوث العكس, التصوير
السوداوي تقابله الموسيقى العاطفية, والخلفية الفكرية المهتمة بكل خطوة صغيرة في
العملية كلها مقابل اللحظات العاطفية لقصة عن الطفولة تحقق هدفها التي لم تحققه
أفلام أخرى أخذت طريق التعاطف وجذب المشاعر بطريقة مكررة وسطحية.
0 التعليقات :
إرسال تعليق