كتب : محمود عياد
التقييم : 5/5
بطولة : جيم كاري ، كيت وينسليت
إخراج : ميشيل غوندري (2004)
للوهلة الأولي يبدو الأمر
الأكثر إثارةً للإنتباه في تحفة كوفمان الكتابية تلك هو عنوانها ، إشراقة أبدية لعقل نظيف ، أعتقد
انه لم يكن هناك أي تسمية أخري ممكنة أكثر عبقرية و تعبيراً من تلك التي حملها الفيلم
، أتذكر عند مشاهدته للمرة الأولي أنني ظللت لعدة أيام أفكر في إجابة عدة أسئلة ؛ كيف
استطاع كوفمان ان يكتب هذا النص ؟ كيف تفتق ذهن الرجل لتلك الفكرة و ما
حولها من تفصيلات في غاية الدقة و التعقيد ؟ كيف استطاع صياغة الحوار بتلك الطريقة
المبدعة ؟ ، الحقيقة ان نصوص كوفمان كلها لها طابع شديد الخصوصية في خطها السردي المختلف و حواراتها
عميقة المحتوي الا أن الأمر هنا اتخذ منحيً شديد الحميمية .
يحكي النص عن جويل بارش ، رجل
في العقد الرابع تقريبا ، شديد التحفظ ، ذو حياة تتمتع بقدر كبير من الروتينية و الملل
، و كليمنتاين كروزنسكي ، فتاة من نفس العمر تقريبا ، ربما اقل قليلاً
، منطلقة ، شديدة العفوية ، ربما يبدو الأمر غريباً أن يرتبط شخصان بتلك السمات المتنافرة
تماماً في علاقة عاطفية ، طبيعياً شعرت كليمنتاين بالرتابة أولاً ، بعد مشاحنة ليلية قررت الانفصال ، لكنها
اكتشفت انها وقعت في الحب و بالتالي لم يكن النسيان بالأمر الهين ، قررت محو كل ذاكرتها
المشتركة مع جويل ، تظهر هنا عيادة الدكتور ميروزوياك التي تقوم بعملية
تجريبية لمحو الذاكرة لمن يرغب في التخلص من ألمها ، تمحو كليمنتاين كل ما
يذكرها بجويل ، و عندما عرف الأمر قرر أن يقوم بنفس العملية للتخلص من
ألم الحب .
عبقرية النص تتجلي في
تلك السويعات التي يقوم جويل فيها بإجراء العملية ، يُظهر عقله رفضاً مُقاوماً ، يحاول
الهرب داخلياً في ذكريات بعيدة ، مرتبطة بالطفولة حيث لا يمكن لجهاز محو الذاكرة أن
يدركه هناك ، عظيمة تلك التفاصيل الصغيرة التي يضيفها كوفمان ، ربما ما كان ليُنجز
الأمر بتلك العظمة لولا تلك التيمات البصرية المستحدثة تماماً لجوندري ، علي
الجانب الآخر تبدو كليمنتاين غير مرتاحة تماماً ، يُبدي جسدها رفضاً ، تشعر بأنها
كبرت سناً ، يطاردها باتريك مساعد ميروزوياك ، يحاول أن يجذبها باستخدام ذات التفاصيل التي أوقعتها
في حب جويل ، يأخذها إلي نهر تشارليز الذي يتجمد في ذلك الوقت من العام ، اعتادت أن تقوم بنفس
الأمر مع جويل ، تتجدد ذاكرتها ، تشعر بالفزع فتطلب الرحيل ، يبدو أن الأمر أكبر كثيراً
من مجرد استئصال الذكريات ، هناك أيضاً ماري ، الدليل الأكثر وضوحاً علي تعقيد الأمر
، مساعدة الدكتور ميروزوياك التي أجرت نفس العملية للتخلص من ذكري علاقتها به و حملها
منه ، تجد نفسها تلقائياً تعيد انتاج ذات الأمر بنفس تفاصيله ، الأمر الأكثر حميمية
في النص أنه يقدم سلسة العلاقات بين شخصيات عادية للغاية ، لا تمتلك أي مقومات تجعلها
مميزة بأي قدر ، شخصيات تشبهنا تماماً ، أضفي ذلك صدقاً شديداً علي الأمر ، صدقاً يجعل
عملية التفاعل معه و معهم أمرا حتمياً
.
قال لي أحدهم ذات مرة
أن من لم يشاهد إشراقة أبدية إلي الآن ينبغي أن يُطبق عليه حد الإفساد في الأرض ، أظنني
أتفق معه كثيراً ، تشارلي كوفمان هنا يطرح ذلك السؤال الأبدي ، هل يرتبط الحب بالدرجة
الأولي بمجموعة الذكريات الحميمية المشتركة بين الحبيبين أم ان هناك معاملاً أشد عمقاً
بكثير من مجرد الذكريات ؟ ، أجزم بأنه أحسن الإجابة علي السؤال بأكثر الطرق عبقرية
و إقناعاً ، الإشراقة ستظل دائماً أبدية حتي و إن كان العقل نظيفا .ً
0 التعليقات :
إرسال تعليق