كتب : أحمد أبو السعود
التقييم : 4.5/5
بطولة : جون واين ، دين مارتن ، ريكي نيلسن
إخراج : هوارد هوكس (1959)
تقول الحكاية أن هاورد هوكس و جون واين قاموا بصنع هذا الفيلم رداً على المحتوى الذى جاء به فريد زينيمان في كلاسيكية الويسترن التي قدمها High Noon و يقول هاورد هوكس في تصريح قاسى عن الفيلم "لا أعتقد أن نقيب الشرطة المحترم سيهرع كالدجاجة المقطوع رأسها باحثاً عن مساعدة في أرجاء المدينة و في النهاية لا يجد غير زوجته الضعيفة كي تنقذه."
إذن الهدف من صناعة هذا الفيلم هو إظهار صورة مُشرقة لأمريكا و تمجيد الحلم الأمريكي
، لكن المدهش أن هاورد هوكس لا ينزلق إلى سطحية الفكرة و لا يُقدمها في إطار
مباشر فج ، لكنه يحكى الحكاية التي تحتوى بداخلها على تفاصيل تُعزز بدورها المغزى الحقيقي
لصناعة الفيلم ، يُقدم هوكس هنا شخصيات لا تدعى البطولة لكنها تملكها ، يبدأ الفيلم في
حانة ، يظهر شخص رثّ الثياب ، يبدو عليه أنه يتسول ، يرمى له شخص آخر قطعة نقود في
إناء حقير ، يركع كي يأخذها لكن يظهر جون واين ليمنعه من ذلك ، من المُدهش هنا متابعة الطريقة التي ارتسم
بها مصير ذلك الشخص على مدار الأحداث ، ظهر متسولاً وضيعاً و انتهى بطلاً ، المشهد
نفسه ينتهى بجريمة قتل تصبح محركاً للأحداث بعد ذلك ، البداية لا توحى بأي تمجيد
من أى نوع ، جون واين - أيقونة أفلام الويسترن - يُضرب و يقع مغشياً عليه في
أول ظهور له في الفيلم ، و سريعاً يحدث شجار و جريمة قتل و يخرج القاتل من الحانة
مختالاً بنفسه إلى حانة أخرى ، لكن سريعاً أيضاً يقوم جون واين ليقبض على القاتل و
سريعاً يُنقذه الشخص الذى ظهر في بداية الفيلم و يساعده للقبض على القاتل ، يقدم هوكس شخصياته
داخل إطار نفسى محكم البناء ؛ إطار يُتيح لها بعد ذلك التفاعل ضمن أجواء عامة
تُحيط بها ، مساعد "الشريف" دائماً في حالة سكر ، له ماضي مع امرأة تركته ، و
تبوء محاولاته دائماً بالفشل ، المساعد الآخر أعرج و ظل طيلة حياته يخدم كحارس
لسجن المدينة و لم يغادره ، "الشريف" نفسه يظهر في مواقف كثيرة كرجل عنيد فظّ لا يعرف
كيف التعامل مع النساء بل و يظهر في مشهد كوميدي مُرتدياً أحد السراويل النسائية !
، و المرأة التي يقع في حبها لا تظهر كقديسة بريئة طاهرة و لكنها امرأة هاربة
مطلوبة للعدالة ، شخصيات الفيلم الرئيسية ليست مثالية و لا تدعى أنها مثالية ، هي
شخصيات تم وضعها في مواقف و أزمات معينة ، إذن هاورد هوكس يهدم هنا
فكرة أنه يقدم تمجيد لصورة المجتمع الأمريكي بالشكل الساذج الذى قد تأخذه مثل تلك
الأفلام ، و لكنه يقدم صورة مجتمع بسيط بشوائبه و عيوبه و لكنه في النهاية مجتمع
لا يتورع أن يتكاتف كى يتم إلقاء القبض على المجرمين .
يطلب "الشريف" في البداية المُساعدة لكنه لا يجدها ، أو لنكن أكثر دقة هو لا يجدها بالصورة التي تُرضيه و تحفظ ماء وجهه ، في أحد المشاهد نعرف أن المرأة التي تُحبه سهرت الليل بأكمله و هي تحميه ، و في مشهد آخر نجدها و قد أنقذت حياته ، و في لحظة ما أثناء حمايتهم للسجن يُقرر الثلاث رجال "الشريف و مساعديه" المكوث في السجن ثلاث ليالي متتالية ليُجنبوا أنفسهم التعرض للخطر و حتى تأتيهم المساعدة بعد الثلاث ليالي ، نجد "الشريف" في لحظات كثيرة خائفاً و متردداً و في لحظة اختيار حاسمة ما بين إنقاذ صديقه و بين التمسك بالقانون يختار إنقاذ صديقه ... لا يمكن بأى حال من الأحوال تصور أن فيلم ويسترن صُنع للرد على الهجائية التي يحملها High Noon للمجتمع الأمريكى يرسم شخصياته بتلك الطريقة ، و لكنه يُقدم صورة عامة لمجتمع متسامح هادئ يتعاون فيه الجميع - في النهاية - لإنقاذ المدينة من خطر المجرمين سواء بدوافع شخصية أم بدوافع عامة ، زوجة العامل في الفندق عندما يهددها المجرمون بقتل زوجها إذا لو توقع "الشريف" في فخ تختار بكل تلقائية عدم الإيقاع بالشريف ، المرأة الهاربة من العدالة تتمسك بحبها للشريف على الرغم من إساءة معاملته لها دائماً - عن غير قصد طبعاً - و تبقى في المدينة و تنقذ حياته ، المُساعد الأعرج يُقرر الخروج من بوتقة السجن الذى ظل يحرسه و يُشارك في النهاية في إنقاذ المدينة و الإيقاع بالمُجرمين ، المساعد السكير يفشل مراراً و تكراراً في إثبات أنه أهل للمسئولية و لكنه - ربما - لطبيعة المعاملة الحسنة التي يتلقاها يُصرّ على تكرار المحاولة و إثبات أنه أهل للمسئولية في النهاية ، المجرمون أنفسهم لا يظهروا هنا في صورة متوحشين ساديين راغبين في فرض سيطرة على المدينة و لكن الموضوع بالنسبة لهم شخصي و إصرار على تحرير واحد منهم من السجن .
يُقدم الفيلم مضمون ذكى و مُعاكس لما جاء به فريد زينيمان على الرغم من تبنيه - تقريباً - نفس الشكل الخارجي لكلاسيكية زينيمان ، و تقول الحكاية أيضاً أن جون واين كان سبباً في طرد مؤلف High Noon من أمريكا و أنه لم يندم على ذلك ! ، على ما يبدو كان الأمر انتقاماً شخصياً من جون واين و هاورد هوكس لصناعHigh Noon .
0 التعليقات :
إرسال تعليق