كتب : خالد إبراهيم
التقييم : 4.5/5
بطولة : غرشو ماركس ، هاربو ماركس ، تشيكو ماركس
إخراج : ليو ماكاري (1933)
"الكوميديا فعل احتجاجي." – ميل بروكس
ماذا يمكن أن يقال عن
هؤلاء الأوغاد؟
عندما كنا صغاراً كان
منتشر في محلات لعب الأطفال وجه مستعار بسيط، حواجب وشارب كث بينهما نظارة طبية وأنف
كبير، لا أتذكر ما كان اسم اللعبة، لكني أتذكر أننا لم نعرف جروشو ماركس وإن
كنا جميعاً وقتها جروشو ماركس. لاحقاً سيقوم وودي آلان بتقديم جروشو إلى، لا
عجب لأن وودي يدين بفضل كبير لفطنة وتوقيت جروشو الذي لا يضاهى بأي
حال.
هذا فيلم مؤسس، الفيلم
الكوميدي الذي عبَّر عن فوضوية/أناركية الأخوة ماركس كما لم يعبر غيره، لذا كان من الطبيعي ألا يكون أنجح
أفلامهم في شباك التذاكر، فبالرغم من النجاح الكبير لفيلمهم السابق، لم يجد (حساء البط) نفس
النجاح، قيل أن الجمهور الذي يعاني خلال فترة الكساد لم تعجبه فكرة السخرية من قادته،
بينما أعتقد أن الجمهور لم يستطع بسهولة أن يستسيغ فكرة أن يكون الفيلم بدون رومانسية
أو قصة رئيسية حقيقية، الأخوة قرروا أن يلقوا بالقصة وراء ظهورهم في مقابل كم الضحك
الممكن الحصول عليه.
من المدهش حقاً رؤية هؤلاء
الأوغاد يدمرون كل شيء قد يراه الآخرين جدير بالثناء، السخرية والاستهزاء من السياسين
والقادة العسكريين بالإضافة إلى السخرية من مفهوم الوطنية نفسه، كل شيء مباح عند الأخوة،
حتى أن البعض اعتبر الفيلم أعظم فيلم مضاد للحرب تم تقديمه عبر التاريخ، حقاً؟! هذا
لقب يبدو جاداً وثقيل الظل لفيلم ومجموعة لا تكترث، هذا لقب قد يحصل عليه (سترانجلف) الذي
يبدو شديد الجدية بالمقارنة مع (حساء البط)، كوبريك ربما حذف مشهد النهاية (معركة الفطير) حتى لا
يبدو فيلمه شديد التأثر بفيلم الأخوة ماركس ، جروشو عندما تم سؤاله عن المغزى من وراء الفيلم، كان رده الساخر
هو الأقرب للصواب: "كنا أربعة من اليهود يحاولون الحصول على بعض الضحك."
لم توجد وقتها خطوط حمراء،
لا قانون هايز ، مما منح الأخوة فرصة ثمينة لاقتناص ما يمكن اقتناصه،
بالأخص التلميحات الجنسية الساخرة قبل أن يتم التضييق عليهم، وعلى سيد التلمحيات إرنست لوبيتش ،
البعض قال بأن الأخير كان سيقوم بإخراج فيلم الأخوة ماركس ، لكن تضارب
المشاريع حال دون ذلك، الحقيقة أن المخرجين كانوا يهربون من العمل مع هؤلاء الأوغاد،
فهم في الحقيقة أسوأ كثيراً مما هم عليه على الشاشة، هذا أمر صعب التخيل حقاً. المخرج
ليو مكاري عمل معهم مرغماً بعد أن قام الأستوديو بتوريطه، لكن النتيجة
كانت أنه أصبح أفضل مخرج حصلوا عليه خلال مسيرتهم السينمائية، الرجل منحهم التحفة التي
عبرت عنهم على خير وجه، والمَشاهد التي سيتذكرهم الجميع بها.
"أنت رجل شجاع، اذهب واخترق صفوف
العدو، وتذكر بينما أنت في الخارج تخاطر بحياتك، تتفادى ضرب النار والقذائف، سنظل هنا
نفكر فيك، ونتذكر كم أنت مغفل لتفعل شيء كهذا!"
أحد تلك المشاهد كان مشهد
المرآة الشهير، هو مشهد تم تقديمه من قبل عن طريق آخرين، لا أصالة فنية للأخوة ماركس فيه،
لكن الحقيقة أنه لم يقم بالمشهد أحد مثلهم، ليس بتلك المهارة وخفة الدم، حتى صار المشهد
أيقونياً يرتبط بهم فقط، الأمر الذي يذكرني بتذمر الكبير باستر كيتون من أن كثير
من لاعبي الكوميديا لا يؤلفون نكاتهم الخاصة، كان يقصد الأخوة ماركس تحديداً،
كيتون بعد أن أصبح غير مرغوب فيه في عصر السينما الناطقة، بطريقة
تدل على قلة تقدير واحترام من جانب هوليوود، أصبح كاتب نكات، حتى أنه كتب بعض النكات
للأخوة ماركس، قد يبدو هذا حزيناً، لكننا كنا محظوظين – على أي
حال – بأن نرى نكات كيتون على لسان جروشو أو بأداء هاربو.
ماكاري كان قد سبق له العمل
كثيراً مع الثنائي الشهير لوريل و هاردي ، لم يبخل بتجربته على فيلم الأخوة ماركس رغم تذمره
منهم، فأضاف اللمسة الساحرة للكوميديا الصامتة، كما نجح في صنع مزيج عظيم ما بين الكوميديا
اللفظية والجسدية، الفيلم كان به العديد من أصناف الكوميديا المختلفة في تناغم غريب
لا يحدث كثيراً، الحبكة كانت مجرد أداة يتم التلاعب بها، قد يتم اللجوء إلى السريالية
وعدم الواقعية إن كان ذلك سيؤدي إلى اقتناص بعض ضحكات، بالإضافة إلى الكثير من التلاعب
بالألفاظ والكلمات، في مشهد المعركة الأخير يتم التلاعب كذلك بزي جروشو ليبدو مرتدياً
في نفس المشهد العديد من الأزياء الحربية الأمريكية على مختلف العصور، تحويل الحروب
ليس فقط لمادة للسخرية ولكن لمرادف بديهي للغباء الإنساني، الكثير من إهانات جروشو وكلامه الحاذق
الذي يحمل أكثر من معنى، كل شيء مباح في مقابل الضحك، فالضحك هو الأهم وهو الهدف الأسمى،
الفيلم كان بمثابة سيرك حقيقي.
"تذكر أنت تقاتل من أجل
شرف تلك المرأة، وهذا شيء في الغالب أكثر مما فعلته هي."
يحسب أيضاً للمخرج أنه
فضَّل عدم اعتماد علاقة رومانسية يتم التلاعب بها، في مقابل أن يفعل الأخوة ماركس ما
يفعلوه دائماً، الرومانسية تحديداً كانت وظيفة الأخ الرابع الغير كوميدي، ماكاري لفت إنتباههم
إلى أنهم أفضل كثيراً بثلاثة عجلات فقط، لم يضع المخرج أيضاً المشاهد الإجبارية المعروفة
حيث يقوم هاربو بالعزف على الهارب و شيكو على البيانو، لذا
أصبحت مدة الفيلم تقترب من الساعة فقط، راهن مكاري على حذف الزائد
وترك المُشاهِد متعطشاً للمزيد، نجح الرهان فدائماً ما يكون ذلك هو الشيء الأفضل في
السينما.
موسوليني اعتبر الفيلم إهانة شخصية
له ومنع عرضه، فريدونيا كان اسم مقترح للولايات المتحدة الأمريكية، أمريكا وقت
الفيلم كانت تمر بالكساد الكبير مثلها مثل البلد الوهمية داخل الفيلم، لذا استشعر بعض
المشاهدين الوطنيين بالإهانة، كما استشعر تلك الإهانة أهالي قرية فريدونيا في نيويورك، وأكدوا
أنهم يشعرون بالضيق لأن سمعة الفيلم ستؤثر سلباً عليهم، فكان رد الأخوة ماركس أنهم
يشعرون بالضيق لأن سمعة القرية ستؤثر سلباً على الفيلم، فيما بعد سيتم الكشف عن أن
الأخوة قبل الشهرة الهوليودية قد قدموا أحد العروض في قرية فريدونيا وقوبلوا
بالاستهجان، هؤلاء الأوغاد لا يمكنهم نسيان تلك الأمور.
"–
لم أتي هنا حتى تتم إهانتي!
- هذا ما تعتقده أنت!"
0 التعليقات :
إرسال تعليق