كتب : أحمد أبو السعود
التقييم : 4.5/5
بطولة : روبرت ميتشم ، بيتر بويل
إخراج : بيتر ييتس (1973)
المشهد الأول : مجموعة من الأشخاص يراقبون شخصاً ما يغادر منزله إلى أحد البنوك المحلية فيما يبدو لنا أنه تخطيط لجريمة ما .
المشهد الثانى : شخصان غريبان يتقابلان فى أحد المطاعم المحلية و يجلسان على نفس الطاولة وجهاً لوجه و لكنهما يتحدثان بطريقة لا تُلفت أنظار الناس إليهما ، من الحديث الدائر يتبين لنا أنه اتفاق على صفقة اسلحة صغيرة .
المشهد الثالث : أشخاص فى أحد البارات المحلية يتحدثان عن
أشخاص آخرين ، ثم يتحدث أحدهم تليفونياً إلى الشخص (1) فى المشهد الثانى و يتفقا
على أن يتقابلا فى ذلك البار .
المشهد الرابع : الشخص (2) فى المشهد الثانى يقابل شخص آخر فى منطقة مقطوعة و يأخذ منه الأسلحة التى تم الاتفاق عليها فى المشهد الثانى .
المشهد الخامس : الشخص (1) من المشهد الثانى يُخبأ الأسلحة فى أحد السيارات ثم يدخل البار و يتحدث إلى الساقى العامل فى البار بينما يمر فى الخلف الشخص الذى تحدث إلى الشخص (1) على التليفون فى المشهد الثالث و يخرج ليأخذ الأسلحة من السيارة المُخبأ بها الأسلحة .
المشهد السادس : الساقى نراه مع شخص آخر فى ساحة عامة ، يتبين أن الشخص الغريب هو أحد رجال الشرطة و أن اتفاق ما يسرى بين الاثنين ليشى الساقى بأى معلومة قد تُفيد الشرطة فى مقابل مادى بالطبع .
المشهد السابع : نعود ثانية إلى أشخاص المشهد الأول و هم يُنفذون - بذكاء واضح - عملية السرقة التى كانوا يخططون لها فى المشهد الأول .
لا يغوص الفيلم داخل شخوصه قدر اهتمامه الربط بينها ، و على أى أساس و مصلحة يتم هذا الربط ، المشاهد الستة الأولى تختزل بذكاء واضح قيمة ما يسعى إليه السيناريو و الإتقان التى يرسم بها شبكة العلاقات بين الشخصيات ، تتنحى - بقصد واضح هنا - الجانب الإنسانى الذى يربط الأشخاص ببعضهما دون التخلى عن آدمية كل فرد ، لا تتحول الشخصيات فى النهاية إلى شخصيات كارتونية لا رتوش و لا تفاصيل لها ، بل القيمة كلها مُختزلة فى رسم العالم السفلى للجريمة فى بوسطن بحس كوميدى ساخر واضح .
يختلف بناء هذا الفيلم عن أى فيلم جريمة شاهدته من قبل ، العناصر المكونة لفيلم الجريمة موجودة كطبيعة الجريمة و دقة التخطيط لها و دور كل فرد فيها سواء بطريق مباشر أو غير مباشر ، لكن وضع تلك المكونات جوار بعضها لا يُنتج فى النهاية الشكل المتعارف عليه لفيلم الجريمة و لا يخلق إيقاعاً متصاعداً تشويقياً كأى فيلم جريمة ، الفيلم عبارة عن لعبة ، لا يعرف أطرافها أنهم يلعبون لكن الجميع يسعى للفوز و بأى طريقة ، "إيدى كويل" لديه عائلة صغيرة يسعى دائماً لحمايتها من الفقر ، لذلك يعمل كوسيط لشراء الأسلحة بين من يستخدموها و من يبيعوها ، لا يهمه من المال سوى القدر الذى يُمكّنه من العيش مستوراً ، و عندما يُحكم عليه بالسجن عدة سنوات يسعى جاهداً أن يوفر لعائلته ما يستر عيشتهم بعد دخوله السجن ثم يجد حلاً قد يُفيده فى تجنب عقوبة السجن و هو أن يتعاون مع الشرطة ليوقع بمن يتعامل معهم ، شخصية "إيدى كويل" هى الشخصية التى اهتم السيناريو أن يبنى لها كل شىء : الظروف و الدوافع و الدواخل النفسية و البيئية و الاجتماعية ، هى الشخصية التى تُحقق بشكل كامل و واضح قواعد اللعبة ، الأطراف الأخرى يتضح لنا منها فقط سعيها للفوز ، كالشرطة التى لا تجد أى مانع من استعمال المجرمين الصغار للقبض على المجرمين الكبار ، لا تقف الشرطة فى خانة رد الفعل بل هى طرف أساسى فى اللعبة و تحاول أن تُعوض فشلها فى وقف الجرائم الكبرى بالاستعانة بمن هم مثل "إيدى كويل" ، و تتخلى الشرطة عن "إيدى كويل" بكل بساطة بعد أن وجدت المساعدة عند غيره على الرغم من مساعدته لهم من قبل ، شخصية "ديلون" هى الشخصية الوحيدة التى تلعب دور الفأر فى اللعبة ، حيث التخفى و التلصص و الجرى بحرص و خوف ، لذلك لا تظهر حقيقته لمن حوله ، لا يعلم الجميع أنه هو الواشى الأكبر ، يميل - بحرص - إلى الطرف الأقوى فى اللعبة ، سواء كان ذلك الطرف هو المجرمين أحياناً أو الشرطة أحياناً أخرى ، لذلك يموت من هم مثل "إيدى كويل" و يتم القبض على المجرمين و ينجو هو من كل هذا ، لأنه لم يكن طرفاً فى اللعبة بل مُستفيداً بما يراه و يسمعه دون علم باقى الأطراف .
ذكاء السيناريو أنه لم يحاول أن يتعمق فى رسم شبكة العلاقات بين الشخصيات ، بل اكتفى بتوصيل الخيوط بينهم ، لذلك يسير الفيلم فى إيقاع أفقى إلى حد كبير ، لأن اللعبة كانت قد اكتملت ملامحها من المشاهد الست الأولى و الباقى هو مجرد توصيل الخيوط و متابعة أطراف اللعبة ، و على الرغم من أفقية الإيقاع إلا أن الفيلم لم يسقط فى فخ الملل أو التكرار ، لأن فى أى لعبة لا يهم كيف بدأت أو لماذا بدأت بل ما يهم هو كيف ستنتهى .
0 التعليقات :
إرسال تعليق