كتب : محمود عياد
التقييم : 4.5/5
بطولة : لويز بروكس , فريتز كورتنر
, فرانسيس ليديرر
إخراج : ج. ف. بابست (1929)
تقول
الاسطورة ان الهة الاغريق صنعوا اول فتاة في مدينة الرجال و اسموها باندورا - كانت
جميلة و ساحرة لكنها طائشة قليلا و لديها قدر كبير من السذاجة - ثم اعطوها صندوقا مغلقا
يحظر عليها فتحه و لكن لكونها طائشة و فضولية قامت بفتح الصندوق الذي كان يحوي كل شرور
العالم و منذ ذلك الحين اطلقت كل الشرور علي البشر
.
جورج ويلهيلم بابست .. من
اشهر و اعظم مخرجي الحقبة التعبيرية - رغم انه لم يكن تعبيريا بالأساس و كان يميل للواقعية
كثيرا - و يعتبر من قبل الكثيرين اعظم مخرج الماني علي الاطلاق و يري الكثيرين ايضا
ان تحفته تلك هي اعظم ما قدم لفن السينما عموما و للتمثيل خصوصا باكتشافه واحدة من
اعظم المواهب النسائية في تاريخ السينما ، الفاتنة البريئة سيئة السمعة و الحظ معا
" لويز بروكس " او "لولو" الاسم الذي اشتهرت به و لازمها حتي وفاتها .
"
إنها لا تمثل إنها لا تفعل شيئا علي الاطلاق "
.
كانت
هذه الكلمات ما يردده اغلب من شاهد الفيلم لأول مرة في عرضه العالمي الأول ، و عندما
لاحظت بروكس ان كثيرين يرددون نفس الكلمات بالألمانية و لكونها لا تفهم
الألمانية أصلا سألت بابست عن ماهية
ما يقولوه حينها شعرت بأنه نوع من الذم و انهم لم يعجبهم اداءها و الحقيقة انها لم
تكن تمثل فعلا فهذه هي شخصيتها الحقيقية لم تكن تحتاج لان تمثل بقدر ما تحتاج ان تكون
علي طبيعتها فقط ، و الحقيقة انه لم يكن ذما
علي الاطلاق بل كان اقصي درجات المديح لأدائها الذي يمكن وصفه علي اقل تقدير بـ
"الساحر" ، لويز بروكس ساحرة مسيطرة تماما علي المشهد روحها تنبعث في كل لقطة
نظراتها التي تحمل اغراءا لا يمكن مقاومته قصة شعرها القصيرة الرموش الطويلة الابتسامة
البريئة الجاذبة في آن واحد كل ما يتعلق بها مبهج و محبب و فاتن و رغم كل ذلك لفظتها
هوليوود باقسي طريقة ممكنة .
الحقيقة
انها لم تصنع تاريخا لها في هوليوود من الاساس منذ بدايتها لم تقدم إلا ادوارا ضعيفة
و "تافهة" لا تليق بموهبتها الفذة و لما كانت اول من تمرد علي هذا الوضع
المتردي من بين بنات جيلها و قررت الذهاب الي اوروبا في عمر ال 23 ربيعا فقط اعتبروها
خائنة و قرروا وأد مسيرتها تماما بل وأدها هي شخصيا ، و الواقع ان ذهابها الي اوروبا
في وقت كانت تشد فيه الرحال من اوروبا الي هوليوود فقط وليس العكس لم يكن فقط قرارا
جريئا جدا و غير محمود العواقب فحسب بل كان
بمحض الصدفة البحتة ايضا .
تقول
الحكاية ان بابست كان قد أتم تجهيز كل شيء يتعلق بالفيلم باستثناء شيء واحد
فقط ، من هي الممثلة التي ستقوم ببطولته ، عرض عليه مئات الصور و شاهد عشرات الممثلات
حتي تملكه اليأس تماما و قرر ان يسند الدور الي الممثلة الألمانية الشهيرة مارلين ديتريتش
و بالفعل كانت علي وشك توقيع العقود إلي ان شاهد بمحض الصدقة فيلماً لهاورد هاوكس يدعي
"فتاة في كل ميناء" قامت فيه بروكس بدور ثانوي و عندما
شاهدها للوهلة الاولي افتتن بها تماماً ، و بعد أدائها في دور لولو أسند اليها بابست دور البطولة
في فيلمهما الثاني معا "مذكرات فتاة ضائعة" ثم قامت ببطولة فيلم"جائزة الجمال"
مع المخرج الفرنسي اوجوستو جينينا , حققت الافلام الثلاثة نجاحا و شهرة عالمية واسعة
لبروكس عندها قررت العودة الي هوليوود مرة اخري ظنا منها انها ستدخلها
كملكة متوجة بعد ان اثبتت مقدرتها الفائقة و موهبتها المنقطعة النظير و لكنها فوجئت
بانها خسرت مكانها الي الابد فقد تعاملوا معها كخائنة و وجدت نفسها تقبل ادوارا ضعيفة
في اعمال اضعف من اجل المال ثم لفظتها هوليوود تماما و هي لا تزال في الـ 32 من عمرها
و ظلت منسية منذ ذلك الحين الي أن اعاد السينماتيك الفرنسي اكتشافها مرة اخري و تذكير
العالم بها في خمسينيات القرن الماضي من خلال عرض أعمالها الثلاثة الأعظم .
لولو
صاحبة صندوق باندورا ، الفتاة البريئة الساذجة المنطلقة التي لا تخفي رغباتها المرحة
دائما ، التي لا تعبأ بالحياة و لا بالتزاماتها ، تعيش كما ترغب بلا قيود و لانها صاحبة
الصندوق و لأنها مندفعة و ساذجة قامت بفتحه فاطلقت كل الشرور .. لم تكن لولو شريرة
علي الاطلاق بل إنه لا يمكنك الا أن تفتتن بها تماما منذ اللحظة الاولي رغم ان تصرفاتها
تميل بالكامل الي كونها بائعة هوي و لكنها تحوي من البراءة في نظراتها و ابتسامتها
الخلابة ما يجعلك لا تملك الا أن تتعاطف معها و تعشقها رغم انها تسببت في مقتل رجل
و دمرت حياتها و حياة كل من حولها ثم قتلت هي ايضا في النهاية ، لم يكن هذا مفاجئا
علي الاطلاق ، فهذه النوعية من البشر لا بد أن تنتهي حياتها بهذه الطريقة و لا سواها
هي الجاني و الضحية في آن واحد و لكنك ستعشقها في جميع الاحوال .
الفيلم
قدم اول شخصية مثلية انثوية صريحة في تاريخ السينما الكونتيس انا جيشفيتز التي قامت
بدورها اليس روبرتز بملامحها الغليظة التي تشبه الرجال و ملابس التوكسيدو التي لم ترتدي
غيرها علي مدار الفيلم كما كان من اوائل الافلام التي قدمت شخصية جاك السفاح قانل النساء
المتسلسل الشهير .
لولو
... من افضل الشخصيات التي كتبت للسينما في كل ما شاهدت و في تاريخها عموما من وجهة
نظري ، شخصية مرسومة بعناية فائقة ، كل تفصيلة متقنة تماما ، حتي في اختيار الأزياء
و التنقل بين الأبيض و الرمادي ثم الاسود في النهاية كما تنقلت حياتها بهذه المراحل
، هي كل الابطال في الحكاية من البداية للنهاية ، كل شيء متعلق بها و يدور حولها و
اقترن بهذا كله اداء لويز بروكس الرائع فخرج الامر ابداعا خالصا .
تقول
بروكس في كتابها "لولو في هوليود" عن مأساتها في مدينة صناعة السينما
"إن مشكلتنا تكمن في أننا منحطون أكثر من اللازم بالنسبة إلى قسم من هوليوود،
وأقل من اللازم بالنسبة إلى القسم الآخر" ، و بعد ان عاشت منسية تماما
لـ 5 عقود تقريبا طلبت أن يكتب علي قبرها هذه العبارة " لقد اخفقت في كل شيء و
لكن عزائي الوحيد انني حاولت
" .
0 التعليقات :
إرسال تعليق