كتبت
: زهراء إبراهيم
التقييم :
5/5
بطولة :
توبي ماغواير ، تشارليز ثيرون ، مايكل كين
إخراج :
لاسه هالستروم (1999)
الاقتباس الأكثر
اكتمالًا من بين الاقتباسات المحتملة لرواية جون
إيرفنج التي حولها لنص سينمائي وأخرجها الساحر لاسي هالستروم، الرجل القادر على
إدخال مجال عريض من المشاعر والمواقف الإنسانية المتناقضة وإخراجها من القبعة
كفيلم هادئ للغاية يتلقاه المشاهد في حالة استسلام تام لعالم آخر يلجأ البشر
للسينما من أجل الحصول عليه من بين الكثير من الأفلام.
هذا الفيلم هو مجاز
مطوّل شديد الوضوح عن الحياة. الرحلة التي يقطعها الإنسان من مهده المريح للعالم
الخارجي فلا ينفك يحن للعودة. يصوّر الفيلم منزلًا يُصنع فيه عصير التفاح، نصّ
أصحابه على بعض القواعد التنظيمية، ولا تلبث حقيقة هذا المنزل الحالم اليوتوبي أن
تنكشف أمام عين الرائي الذي كان مفتونًا بازدحام الجمال الخارجي الذي يكتنف حقيقة
القبح الدنيوي. الحكاية التي تدور في بدايات القرن العشرين تتمحور حول عدة سياقات
سردية، ربما يتمركز موضوع الإجهاض في قلبها - كما صرح إيرفنج عند تسلمه الأوسكار
عن أفضل نص سينمائي - على الرغم من وضعه غير القانوني في تلك الفترة، لكن إيرفنج يتناوله بلا تحيزات
صادمة أو طريقة وعظية إرشادية، الحكاية تخبرنا ما يراه الكاتب دون أن نشعر
بالمبالغات التي تأتي مع الطريقة الخطابية. وهناك الخيط السردي الذي يتتبع المشاكل
المجتمعية متمثلة في وجود عدة قواعد لمنزل عصير التفاح. هذه القواعد المعلقة
دائمًا على حائط المنزل يظهر انعدام فائدتها لأن العمال لا يستطيعون القراءة في
المقام الأول. لكن هذه الإشارة المجازية لا تختصر كل شيء، إنما يتتبع الفيلم رحلة
الفتى هومر خارج نطاق أبيه الروحي ودار الأيتام التي نشأ فيها (سانت
كلاودز) إلى العالم الأوسع، بساتين التفاح المزهرة الشاسعة والعمال الطيبين.
مع استمرار الحكاية تبدأ العيوب الإنسانية شديدة القوة والعمق في الظهور على
السطح، كل شخصيات هذا الفيلم لديها عيوبها وذنوبها البشرية المعقدة التي يتم
تناولها سرديًا بعبقرية تجعل المشاهد يلمس هذه العيوب بدون أن يشعر بتهويل أو
تحقير منها، هذه الدراسة القوية للشخصيات تجعلهم بشرًا حقيقيين يسهل التعاطف معهم
أو احتقارهم كلٌ على حسب نظرته في الشخصيات. أثناء رحلة النضج هذه يقع الفتى هومر في حب زوجة صديقه (كاندي). منذ لحظة الالتقاء
بينهما تمنيت بشدة ألا يحدث هذا، لكنني في نهاية الأمر لم أستطع أن أطلق أحكامًا
على هومر أو كاندي، على الرغم أنه من السهل على أي شخص يسمع عن حكاية كهذه في الحياة
الواقعية أن يطلق حكمًا سريعًا وسهلًا، لكن كل شيء تراه عينا المشاهد كإله يعلم
تفاصيل الأمور، ما يجعل تلك الشخصيات بعيوبها وتجاربها تتشكل في لحظتها كجزء من
عقلية المشاهد وتجربته الشخصية.
بدون مشاهدة الفيلم،
يمكننا أن نتخيل مدى العظمة التي قدمها مايكل
كين في دور طبيب ومسؤول عن دار أيتام، ومدمن على الإيثر. الدور الذي فاز كين من أجله بأوسكار
أفضل أداء لدور ممثل مساعد، دكتور ويلبر
لارش، الذي كان بطلًا في عالم بائس من الأطفال الوحيدين. على الرغم من أن
دكتور لارش كان راعيًا لكثير من الأطفال اليتامى إلا أنه اتخذ من يتيم أوحد ابنًا
روحيًا يسميه (هومر ويلز) نسبة إلى كاتب الإلياذة والأوديسة الإغريقي هوميروس، بعد أن فشلت
محاولات تبنيه من أسرتين مختلفتين. يعلمه كل ما يعرفه عن الطب، العمليتين
المتناقضتين في المعنى، التوليد والإجهاض. هومر (توبي ماغواير) هو الابن والفتى
اليانع الذي يبحث عن الحياة خارج محيطه الآمن الذي نشأ فيه، تبدأ ثورته تلك من
اعتراضه على الإجهاض الذي يقوم به دكتور
لارش بثورية لا تهتم بالقانون، ورغبته في ألا يكون تابعًا لحلم أبيه ليجد
طريقه في الحياة بنفسه. توظيف ذلك التعريف الدائم لعلاقة الأب والابن في هذا
الفيلم بأداء معقد كليًا ومدروس للشخصيتين المحوريتين من كين ومغواير يجعل هذه العلاقة هي
أفضل ما في الفيلم، حيث تصفها الحكاية على لسان لارش بأنها الحب الأبوي
نحو هومر الذي لم يستطع لارش كبحه، متسائلًا -على
الرغم من ذلك- عن نتيجة هذا الحب المندفع وتأثيره على حياة الفتى اليتيم هومر: هل جعلت منه يتيمًا
حقيقًا للأبد؟
0 التعليقات :
إرسال تعليق