كتب : أحمد أبو السعود
التقييم : 5/5
بطولة : كاترين دينوف ، جورج شاكيريس ،
جين كيلي
إخراج : جاك ديمي (1967)
لا توجد بهجة في العالم أكبر من تلك الموجودة في أفلام الفرنسي جاك ديمي ؛ بهجة لم يستطع فريتز لانج - الألماني العظيم صاحب مجموعة من أكثر الأفلام سوداوية في التاريخ - مقاومتها حين كان رئيساً للجنة تحكيم مهرجان كان في إحدى دوراته و منح الفرنسي المُبهج سعفة المهرجان عن تحفته The Umbrellas of Cherbourg .
أفلام الرجل تنساب على الشاشة كالحلم الجميل ، يغزل أحداثه بتدفق ساحر ، و يرسم
شخصياته بخيال له حس واقعى بسيط و جميل ، شخصيات الفيلم جميعاً تحلم : البحار الذى
يحلم بالفتاة المثالية حتى أنه يرسمها فقط من مخيلته ، الفتاة المثالية موجودة و
تحلم أيضاً بالرجل المثالي الذى يخطفها ، الأختان التوأم تحلمان بباريس حيث الحب و
الشهرة في الرقص و الموسيقى ، الأم تحلم بحبيب قديم مازال هو أيضاً ينتظرها و يبحث
عنها ، باريس حاضرة و حية طوال أحداث الفيلم رغم أن الأحداث لا تجرى فيها ، الكل
إما أنه يهرب من باريس أو يهرب إليها ، و في كل الأحوال ستنتهى الأمور إليها و
منها .. افتتاحية الفيلم بسيطة و واضحة و ساحرة ، و تمهيدية لا لأحداث الفيلم و
طبيعة شخصياته بل لحالة الحلم التي سنعيشها على مدار ساعتين من الزمن ؛ الموسيقى التي
تدخل شريط الصوت بدون مقدمات ، و الممثلون الذين يستجيبون تلقائياً لتلك الموسيقى
بالرقص ، تستمر تلك الحالة معنا و جاك ديمي لا يبخل إطلاقاً لتدعيم ذلك الشعور و
التعزيز من سحره و جماله ، لذلك باريس كانت مهمة هنا ، فإذا كنا سنحلم فأي مدينة
أفضل من باريس نجد فيها الحب و الرقص و الموسيقى .
يجمع الرجل هنا كل ما يجعل فيلمه ساحراً و راقصاً : يأتى ببطلة فيلمه الأشهر The Umbrellas of Cherbourg الجميلة الساحرة كاترين دينوف و يأتي بأختها أيضاً ، يأتي بجورج شاكيريس - بطل West Side Story أحد أهم أيقونات السينما الاستعراضية ، و يأتي بجين كيلي في ظهور خاطف و ساحر و مؤثر ، ظهور جين كيلي لأول مرة على الشاشة كان ظهوراً ساحراً بحق حتى جاك ديمي ترجمه بعد ذلك بأغنية جميلة تصف فيها إحدى الأختين تأثير ظهوره المفاجئ لها ، يظهر لها كغريب يساعدها في التقاط أشياء سقطت منها على الأرض ، تبدأ الموسيقى هادئة ، ينظران لبعضهما ، يُمسك يديها ، يتصاعد تون الموسيقى ، تعتذر له ، يبتسم لها ، يُكملان التقاط الأشياء الواقعة على الأرض ، يدور بينهما حوار بسيط جداً ينتهى بسؤاله لها إن كان بإمكانه أن يراها ثانيةً ، هذا المشهد عبارة عن حلم جميل ، في طبيعة حدوثه و فى شكله البصرى ، المشهد عبارة عن صدفة ، دخول مفاجئ لشخصية في حياة شخصية أخرى ، و ظهور مفاجئ لنجم كبير طال انتظاره على شريط الفيلم ، المجاميع الموجودة في خلفية المشهد تتحرك برشاقة هادئة و تتراقص بخطوات متأنية كأنهم تحت تأثير مُخدر جميل ؛ نفس المُخدر الذى طال تأثيره أيضاً البطلين اللذين وقعا في غرام بعضهما من أول لقاء لهما .. من ذلك المشهد تستطيع أن تُشكل صورة لطبيعة الفيلم بأكمله حيث تدفق الأحداث - البسيطة جداً فى طبيعتها - برشاقة غير معهودة ، و انسيابية ظهور الشخصيات بأحلامها و أسرارها و طموحاتها في إيقاع سلس و ساحر ؛ إيقاع يختزل نفسه في رقصة ، في أغنية ، في لقاء مفاجئ بين حبيبين لم يلتقيا من قبل ، في صدفة تجمع كل العُشاق و الحالمين في مكان واحد و على خلفية حدث واحد .
0 التعليقات :
إرسال تعليق