كتب : ياسر ريحاوي
التقييم : 5/5
بطولة : جويل مكري ، إلن درو
إخراج : جاك تورنور (1950)
إذا لم تقم بإحضار
تفردك وبعضاً من تجاربك وإحساسك لأي موضوع فلن تحصل على أكثر من نتيجة ميكانيكية –
جاك ترنر
بعد نجاحه في عدة
أفلام رعب ونوار أصبحت من كلاسيكيات السينما انتقل جاك ترنر المخرج
الفرنسي الأصل للعمل على هذا الويسترن بعد اقتراح صديقه جول مكري – بطل
الفيلم - للرواية التي تحمل نفس الاسم والتي أعجب بها ترنر مباشرة ثم قبل أن يقوم
بإخراجها من دون أي مقابل مادي مما أدى إلى الاستخفاف به بسبب قبوله العمل من دون
مقابل فيما بعد من قبل استديوهات هوليوود التي لم تعطيه سوى الأفلام الثانوية أو
مشاريع تلفزيونية هامشية.
تجري أحداث الفيلم في
بلدة جنوبية صغيرة تدعى ويلزبيرغ وتتحدث عن غراي العائد من الحرب الأهلية والذي يحصل
على وظيفة قسيس البلدة بحكمته وشجاعته وشخصيته المحببة, الراوي هو الطفل جون كينين
قريب غراي والذي يعيش معه ومع زوجته هارييت, في البلدة
أيضاً هناك الطبيب هاريس الذي يمثل الجانب العقلاني والعلمي في وجه شخصية غراي
الروحانية, فيمس وهو أحد مزارعي البلدة الزنوج يتعرض للمضايقات الدائمة من بيكيت وهو
التجاري الذي يحاول انتزاع أرضه ومحاصيله منه, يعتمد ترنر على هذه
الشخصيات الرئيسية وينسج لها العديد من الحوادث التي ستضعها أمام اختبارات صعبة
ستوضح لنا رؤيتها ورؤيته للعالم.
الفيلم حنيني ولطيف
ومليئ باللحظات القريبة من القلب مع صوت الطفل جون الذي يروي القصة كحكاية شعبية
محببة, هذه الرومانسية يمزجها ترنر بواقعية المشاكل الاجتماعية الجنوبية لتلك الفترة, أبرزها
العنصرية والفقر والمرض, النتيجة رائعة جداً في مزيج غريب وخاص يتقابل فيه الدين
والإلحاد, الرقة والقسوة, العلم والجهل, العنصرية والدفاع عن المظلومين, غراي هو
التجسيد الروحاني والفانتازي للشخصية الإيجابية الكلاسيكية البطولية ولكل ما هو
جميل في العالم, القسيس اللطيف المحب الجميع والمدافع عن حقوق الزنوج والمظلومين,
مع ذلك تبقى رؤية ترنر للخير عميقة ومعقدة فيصور الاندفاع والعاطفية اللاعقلانية
للقسيس عندما يعرض أهل البلدة للخطر ولا يلتزم بأوامر الطبيب بعد أن تجتاح البلدة
موجة حمى مجهولة, الطبيب نفسه أيضاً يحتاج لبعض الروحانية يلبيها القيسيس الذي ينقذ
زوجته الراقدة على فراش الموت في مشهد يصور معجزة ليست بعيدة في جمالها وقوتها
التعبيرية عن بعض مشاهد الدنماركي دراير في Ordet .
يهتم ترنر بتقديم
تفاصيل حياة البلدة الجنوبية الصغيرة, الحنين للأجواء الطبيعية العذبة والسهرات
العائلية الحميمية والعروض الترفيهية ومغامرات الأطفال البريئة, أن تخلق مكاناً
وزماناً وشخصيات كثيرة نتعلق بها ونعيش معها في مجتمع كامل ليست بالمهمة البسيطة
والتي يحققها ترنر بمساعدة ممثليه على رأسهم المبدع جول مكري في دور عظيم
وضعه في مقارنة مع جاري كوبر صاحب الشخصية المحببة المشابهة في بعض أفلام
الويسترن, يصاحب ذلك أسلوب بصري بسيط وجميل وعذب ومليئ بالثقة في حركات الكاميرا
التي تنساب عبر طرقات البلدة وبين أشجارها وبيوتها في حميمية إخراجية شاعرية تشبه
حكايات ما قبل النوم في بساطتها, قضية العنصرية ربما هي أكثر اللحظات التي يبتعد
الفيلم فيها عن أسلوبه الفانتازي وينحو اتجاه النقد الاجتماعي بشجاعة في الطرح
نظراً للفترة التي قدم فيها الفيلم قبل الحركات المدنية التي بدأت في الستينات.
حكاية خيالية شعبية
تشبه قصيدة من القلب مليئة بالذكريات الجميلة وبخلفية اجتماعية جدية ورؤية معقدة
للخير قدمها الفرنسي بأسلوب شخصي متفرد وبرسالة روحانية بعيدة تماماً عن الوعظ الديني
والخرافات وبدون أيدولوجية أو خلفية دينية محددة فعلى الرغم من المسيحية العامة
التي تلف أجواءه إلا أن البساطة والنية الطيبة للخير تمحي كل شكوكنا في أي تعصب أو
انتماء ضيق, من كلاسيكيات السينما الأمريكية المظلومة التي تحتاج لإعادة استكشاف
وتقييم.
0 التعليقات :
إرسال تعليق