التقييم : 4.5/5
بطولة : توم هيدلستن ، تيلدا سوينتن
إخراج : جيم جارمش (2014)
في مزيج ساحر رشيق
ومتميز يقدم جيم جارموش هذه المرة الملل بأقصى صوره المتخيلة والمعروفة لنا وهي
حياة مصاصي الدماء الطويلة، جارموش قادر على خلق جمال خاص بكل ما يملك من أدوات
وفي كل مايقدم من تفاصيل، بين صورة جميلة وخلفية موسيقية مبهرة وجمل حوارية تدور
بخفة في فلك الذكاء والحكمة والأرواح المنهكة يفرد جارموش مساحة كاملة يتحدث فيها
عن ملل الحياة والتاريخ الذي يعيد نفسه والبحث عن الهدف من كل ذلك، يصعب القول بأن
جارموش يرمز بذلك عن حياة كل منا وتاريخ هذا العالم، لأن كلمة (يرمز) تدل على
الإجمال وتجميع الأمور في مساحة صغيرة، وهذا على النقيض تماما مما يفعله جارموش في
الفيلم، هو هنا كما قلت يفرد مساحة كاملة تنساب فيها الأمور كما تريد، يترك لها
حرية الحركة بنعومة كرقص تيلدا سوينتون الناعم على الموسيقي التي تستمع إليها، في
الفيلم _ تحديداً في مدة تزيد عن نصفه الأول_ ليس هناك أحداث تحد من مساحة الأمور
بقدر مانشاهد كل شيء كاملاً لا جديد فيه مثلما شاهداه (آدم) و (إيف) على مدار
حياتهم.
جارموش يقدم في الفيلم (إيف) القادرة على استيعاب كل شيء والتعامل مع كل ما يحدث
بخفة وسرعة تناسب خبرتها وما شهدته في عمرها الطويل، آداء تيلدا سوينتون كان
رائعاً جميلاً يبعث على الابتسام ، وربما تكون هذه نظرة جارموش للمرأة عموماً وهي
القادرة في أغلب الوقت على الصبر والاحتواء، وعلى النقيض تماماً قدم شخصية (آدم)
وهي الأقرب لواقع مصاص دماء عاش حياة طويلة في ملله واضطرابه وهوسه، وجدت أنه
معبراً عن شخصية جارموش كثيراً في هذا الاضطراب والملل وفي آرائه في الحياة والبشر
واعجابه بـ(نيكولا تسلا).
بعد مرور أكثر من نصف وقت الفيلم تبدأ الأحداث بالتصاعد قليلاً بدخول (إيفا) أخت (إيف) الصغيرة إلى حياتهم ، وجدت أن صنع الأحداث هنا كان لاختبار ردود فعل (آدم) و (إيف)، ردود فعل من شهدوا تقريباً حدوث كل شيء وتعقّد كل شيء ثم مرور كل شيء كما يمر الوقت.
أعتقد أن اختيار ديترويت المظلمة المهجورة يناسب جارموش جداً ، وأيضاً باعتبارها مدينة منسية تشبه شخصيات كآدم وايف ، شخصيات يدور التاريخ من حولها ولا يلتفت إليها وإن كانوا يختنقون هم بهذا التاريخ في كل لحظة يعيشونها.
جارموش يثبت في كل فيلم يصنعه أنه قادر على خلق واستكشاف أبعاد جديدة من الابتكار والجمال والفن والسحر ، قدرته على المزج بين عناصر غير مألوفة مع شوق واضح للنتائج المذهلة، يكفي فقط مشاهدة الفيلم لهذا الغرض ، التمتع بلوحة سينيمائية فنية ممتعة مليئة بالتفاصيل المذهلة الغير معتادة.
ملحوظة أخيرة ، نقاء صورة التصوير الديحيتال والذي يستخدمه جارموش في صناعة فيلم لأول مرة لم يتناسب مع تلك الروح القلقة الغامضة التي يبثها في كل فيلم يصنعه ، أجدني أُفضّل تصوير أفلامه بعيداً عن هذه التقنية.
(الأحباء فقط يبقون أحياء) ربما لأن جارموش يثبت من خلال (آدم) و(إيف) اللذين عاشا سنيناً طويلة أن الحب فقط هو ما يستحق الاعتماد عليه.
0 التعليقات :
إرسال تعليق