كتب : ياسر ريحاوي
التقييم : 4/5
بطولة : ميشيل سيمون ، جورج فلامون
إخراج : جان رينوار (1931)
الأمر المريع في
الحياة هو أن لكل شخص أسبابه – جان رينوار
في أول أفلامه الناطقة اختار جان رينوار قصة مثلث الحب الكلاسيكي ليروي حكايته التراجيدية
الخاصة عن الخيارات البشرية, الفيلم يروي قصة موريس ليغراند
المصرفي المتزوج والذي يلتقي مصادفةً فتاة الهوى لولو ويظن أنه وقع في حبها, بينما
لولو نفسها الواقعة في حب مدير أعمالها ديديه تقوم بكل ما بوسعها لإرضائه وجلب المال له عن طريق
استغلال موهبة موريس الفنية ومن خلال تلاعبها به.
المذهل فعلاً هو طريقة تحويل هذه القصة البسيطة المكررة إلى تراجيديا
عميقة ومؤثرة عن طريق الأسلوب ولا شيء غيره, يصور رينوار كل مشاهده
بمسافة متوسطة , لقطات طويلة وأسلوب شبه وثائقي يلتقط فيه يوميات الحياة و روتينها
أكثر من تركيزه على الأحداث والحبكة , يحول القصة الميلودرامية لكابوس مأساوي عن فظاعة
التصرفات البشرية ومصائرها السوداوية , فعلى سبيل المثال وفي أحد مشاهد الذروة
التي تقتل فيها أحد الشخصيات لا يصور رينوار مشهد القتل كما هو متعارف عليه , بدل ذلك يقوم بتصوير
مشهدين قبل الحادثة وبعدها ويزاوج بينما وبين مشهد إحدى الفتيات التي تعزف في
الشارع بين الناس الفرحين , الرؤية المعقدة للمزيج التراجيدي الكوميدي , والنظر
بتشاؤم لمشهد هزلي في خلفيته جريمة بشعة توضح لنا رؤية الرجل السوداوية لكل شيء.
فالكوميديا في أفلام رينوار ليست إلا غطاءاً لوجه أكثر بشاعةً ورعباً , لولو مثلاً
تحاول دوماً إقناع ليغراند بحبها له وتسرق أعماله لإرضاء ديديه الذي لا
يسعى لشيء سوى المال, إلا أن ليغراند يبقى هو الشخصية المثالية بالنسبة لأسلوب رينوار , مزيج
التراجيديا والكوميديا الذي لطالما تلاعب به , ميشيل سيمون في دور
عظيم آخر يلعب شخصية معقدة , طيبة وعاطفية وبسيطة لدرجة تثير الشفقة , مضحكة في
حركاتها وتصرفاتها الطفولة أحياناً , إلا أن عاطفيتها الزائدة تخفي الوجه الأكثر
رعباً وسوداويةً الذي يريد رينوار صدمنا به.
في أحد المشاهد يظهر ليغراند وهو يقوم بحلاقة ذقنه مع خلفية موسيقية لبيانو تتحرك
الكاميرا بخفة لترينا في النهاية إحدى الفتيات التي تعزف عليه مع وجود عصفور يزقزق
في إحدى الأقفاص , مشهد قد يبدو زائداً أو خارج إطار الحبكة في البداية ولكننا
نتأكد فيما بعد أنه من صلب أسلوب رينوار الواقعي في رصد الحياة وجمالها التراجيدي , مشهد مواجهة
لينغراند للزوجين الذين يخادعانه ربما قد يكون الأكثر تعبيراً
عن خصوصية الرجل وأسلوبيته , مع أي مخرج آخر ستتحول المواجهة لعنف أو لحزن عاطفي ,
بدل ذلك يصور رينوار المشهد من خارج الغرفة التي يحدث فيها الحدث الرئيسي
المهم , مرة أخرى التركيز ليس على ما يحدث بل على كونه جزء من أحجية و لوحة أكثر
اتساعاً هي الحياة, فيحول الميلودراما لشاعرية تراجيدية مع صمت لينغراند الذي
ينسحب بطريقة مأساوية ببساطة أبلغ من أي حوار قد يديره أي كاتب آخر أقل خبرةً.
لكل شخص أسبابه , لكل الأفعال الشنيعة التي يقوم بها ربما أحياناً ,
براعة رينوار تكمن في ذلك فهو يبرز لنا دوافع الجميع ولا يحكم على أي
أحد , هو ببساطة يريد إظهار فظاعة وكآبة خارجة عن سيطرة الجميع , ليس هناك من سبيل
لإيقافها أو إيجاد أسبابها من وجهة نظره , قال المخرج الإيراني أصغر فرهادي أن
المعركة في السينما اليوم هي بين الخير والخير وبغض النظر عن هوية المنتصر فإننا
المهزومون دوماً , في رأيي أن رينوار عرف هذه المقولة قبل الجميع , أعطاها الوجه الخارجي
الكوميدي البسيط الذي يبدو لنا في بداية قصصه ودفن فيها التراجيديا العميقة التي
ينهي بها أفلامه.
0 التعليقات :
إرسال تعليق