كتب : خالد
إبراهيم
التقييم : 4/5
إخراج : مايكل سنو (1967)
"لمَ Wavelength؟
سنو
: خلاصة جهازي العصبي ،
شكوكي الدينية ،
والأفكار الجمالية"
لدينا كاميرا تقترب
من نقطة إلى أخرى داخل حجرة واحدة – من حائط لآخر – لمدة تزيد عن الأربعين دقيقة ،
هل يبدو هذا مملاً ؟ حسناً إنه كذلك .
"لمَ 46 دقيقة
كاملة ؟
سنو : كان يمكن أن تكون أكثر ، لا يمكنها أن تصبح أقل ، المال .. لو كان الفيلم
أقصر لكانت الحركة أسرع من اللازم ، لو كان أطول لكان شديد التكلفة"
كل الأفلام – بشكل أو
بأخر – من وجهة نظر معينة قد تبدو مملة ، لكن استناداً إلى وجهات نظر أخرى قد تحدث
المعجزة ، فيصبح أي فيلم مثيراً للاهتمام.
في بداية الفيلم تكون
الخدعة ، فتاة تخبر عمال نقل الأثاث أين يمكنهم وضع المكتبة الجديدة ، المُشاهِد
البريء – الذي لم يعرف شيئاً – لن يشك في أن الفيلم لا يحمل حبكة ، لكن مع الوقت
عليه أن يشك ، يستمر تلاعب مايكل سنو بالمشاهِد ، خاصة خلال الدقائق التي احتوت تواجد
بشري ، مما قد يوحي بأن هناك حبكة إن أمكننا فقط ربط الأمور ببعضها ، لكن من جديد
هذا غير صحيح ، سنعرف أن الكاميرا لا تبحث مثلنا عن رابط يجمع ما اختاره المخرج
ليكون داخل فيلمه ، الكاميرا تسير في مهمتها المحتومة صوب صورة أمواج البحر
المعلقة على الحائط المقابل ، الكاميرا كالحياة ذاتها، لا تكترث لأحد ، أو لشيء ،
أو لحدث ما ، الكاميرا كالحياة تمضى قدماً، بغض النظر عما حدث ، يحدث، قد يحدث .
ليست التجربة تجربة
تأملية ، كالمُحرِّضة على النوم في فيلم كيارستمي (خمسة) مثلاً ، أو غرائبية مثل Koyaanisqatsi جودفردي ريجيو ، أو حتى مشابهة لتجارب آندي وارهول سيئة السمعة ، دائماً يتم مقارنة
الكندي سنو
بالأمريكي وارهول ، حتى أصبح يُطلق على سنو : وارهول الكندي ، لكن وراهول في أفلامه – الطويلة
جداً – يرصد ولا يتدخل ، بينما سنو لا يكتفي بالملاحظة ، إنما يتدخل دائماً في الصورة
والصوت .
فيلم سنو –
الغير تأملي – تجربة مقلقة للجهاز العصبي، على ما يبدو أن الرجل أراد أن يُرهق
مُشاهِده، أن يضغط على أعصابه قليلاً ، ربما كثيراً ، فقام بكل شيء في سبيل ذلك ،
تغيير الفلتر البصري باستمرار ، اللجوء إلى النيجاتيف ، صوت مزعج كالصادر من جهاز
كهربي معطوب ، بالإضافة إلى عدد من الألاعيب التقنية التي لا خبرة لي بها ، كل هذا
ساهم في أن يصبح الفيلم تجريدياً صوتاً وصورة ، لكنه يبقى مُستفِّزاً إلى درجة
كبيرة ، والفيلم المُستفِز – كما نعرف – يبقى دائماً فيلماً جديراً بالمشاهدة ،
طالما لا يضم صفة السخافة بجانب الاستفزاز ، الألاعيب البصرية ساهمت في جعل الحجرة
تبدو غير طبيعية ، قد نتساءل – بعبث كبير
طبعاً – إن كنا نرى أشباحاً ، أم أن تلك هيئة البيوت المسكونة إن تركنا كاميرا
لترصد ما يحدث بينما لا نكن بالجوار لرؤيته ؟
"لمَ دخلت الحياة
الفيلم؟
سنو : الحياة داخل الفيلم، الفيلم عن التوازن، بين الأحداث، الأشخاص، الأشياء،
صورة الكرسي الأصفر مثلاً تعادل نفس قيمة الفتاة التي تغلق النافذة، في العالم
الخاص بهما."
سنو يصور ، يكتب ، يرسم ،
ينحت ، يؤلف ويرتجل موسيقى الجاز ، الرجل الشامل في هذا الفيلم متقشف زاهد مُرتجِل
، يُجبر المشاهِد على خوض تجربته بنفسه ، الأمر الذي يفعله دائماً المخرجون العظام
، ويرفضه دائماً المشاهدون قليلي الصبر ، تجربة التفكير من جديد في ماهية السينما ،
ما هو الفيلم ؟ ما الذي يجعل الفيلم فيلماً ؟ ثم يتركنا مع السؤال الأزلي المحبب :
"ما هذا الذي رأيته للتو ؟" حيث تكون النتيجة أحياناً ليست ذات أهمية ،
بالمقارنة مع المدى الذي يمكن أن يذهب إليه الفيلم وصانعه ، المخرج يضعنا وجه لوجه
أمام التساؤل الذي لا ينتهي عن محدودية الصورة ، حيث يبدو أنه من البداية إلى
النهاية هناك تمهيد غامض ومخادع للانتصار لفكرة الصورة السينمائية المطلقة ، وإن
بدت محدودة ، أم ربما العكس ؟!
"أليست بداية
الفيلم ونهايته اعتباطية ؟
سنو : منذ البداية تكون النهاية عامل مهم ، في سياق الفيلم لا تكون النهاية
اعتباطية ، بل محتومة"
التجربة التي يعرضها سنو فرصة
للإبحار في تجربتنا السابقة والزمن الماضي ، من جانبي انتقلت بالزمن لأتذكر نوافذ
مدرستي ، جدير بالذكر أننا لا نرى العالم الخارجي خلف النافذة طوال الفيلم ، فنحن
محتجزون داخل الصورة السينمائية .
الفيلم عقلي بالكامل ،
يتحدى مشاهِده ، وإن كان يبدو وكأنه لا يكترث بأحد ، فقط بالمكان ، المكان أو
المساحة هنا تكون البطل الوحيد داخل الفيلم ، على عكس كل فيلم آخر ليست العبارة
بلاغية ، أو من باب التشبيه ، فالمعتاد أن يكون المكان خلفية مرتبطة بالبشر ، لكن
هنا يبقى المكان غير مرتبط بأحد ، ولا يبدو أن أحداً مرتبطاً به ، يكون المكان
بطلاً منفرداً لا شريك له ، يسيطر على الشاشة ، بينما نحن نتعرف شيئاً فشيئاً عليه
، ونصل إلى النقطة العميقة المُراد الوصول إليها ، مثلما يحدث في الأفلام الأخرى
بالنسبة لشخصية البطل ، لكن في حالتنا نحن نتعامل مع مكان مادي ، فتكون النقطة
المُراد الوصول إليها نقطة مادية بدورها .
سنو يجعلنا نشعر كما لم
نشعر من قبل بالانتقال من نقطة لأخرى ، كوبريك سيقوم بتوجيه تحية للكندي وفيلمه في
نهاية فيلم The Shining باستخدام نفس الأسلوب ، في الغالب تتم عملية الانتقال عن طريق
المونتاج في لمح البصر ، لكن مع سنو الأمر اختلف ، الشيء الظريف أن الفيلم ليس لقطة
واحدة ، كما أن الفيلم استخدم القطع بطريقة Jump Cut ، الأمر الذي كان
شديد السخرية .
"ما الذي حدد
الأنسجة المختلفة التي استعملتها ؟
سنو : أعتقد أنك تقصد الألوان وتغيرات الضوء
.. لست دائماً أقوم بخيار ما ، لقد تفاجأت مما أفعل ، وكنت أرغب في ذلك ، وضعت
نظاماً تصادفي ، لن أقوم بصنع أعمال فنية إن كنت أعرف كل شيء مسبقاً"
0 التعليقات :
إرسال تعليق