كتبت
: فاطمة توفيق
التقييم : 4/5
بطولة : توماس
تورغوز ، ستيفن غراهام
إخراج : شاين
ميدوز (2006)
ما
هي الأوطان ؟ وكيف نُعرّف انتماءاتنا إليها ؟ وهل الوطن قادر على قتل الانتماء
إليه فيك ؟
من وحي تجربته الشخصية يقدم المخرج شاين ميدوز فيلمه (هذه انجلترا) ببداية رائعة تلخص إرث حضاري طويل لبريطانيا بفنها وسياستها وحتى رياضاتها فيجعلك مدركا لتميز هذه التجربة السينمائية التي تُقدِم على مشاهدتها ، وعندما يعنون المخرج فيلمه باسم مباشر كهذا فهو يفتح لك باباً لتخيل انجلترا التي يراها ويجد فيها وطناً ، بل يفتح لك بابا للتفكير في تعريف الوطن ، هل هو تجربة ذاتية تخصك تنتمي لها في هذا المكان أم هو تلك السياسات المفروضة والتي تؤثر على كل تفاصيل حياتك أم هو ذلك الوطن الذي يقتلك ويسلبك حتى حق الانتماء إليه .
في الفيلم نشاهد شون الطفل الصغير بعدما
سُلَب منه كل شيء ، حقه في حياة طفل طبيعية مع والده وحياة كريمة مع أمه وانتمائه
للمكان الذي يعيش فيه ولهؤلاء البشر الذي يعيش بينهم ، شون من بداية الفيلم
شخص وحيد لا ينتمي لشيء سوى صورة والده والتي يجد فيها تعريفاً لوطنه فيدافع عنه
بشراسة ، يختلف عن أقرانه وعمن حوله ، يمر بجوار جدران تحمل الكثير من الجمل
الغاضبة ولا يأبه بشيء من هذا، فإنجلترا كما أظهرها المخرج في شخصية شون وفيما
حوله ، وطن مُفرّغ من كل شيء يكسوها القبح والحزن وآثار الحرب والسياسات القذرة
المفروضة من حكومات متوالية ، ومن الطبيعي من شخص مرفوض من كل ما حوله ولا ينتمي
لأي شيء ، طبيعيٌ منه أن يندفع مسرعاً نحو أول شيء يقبل به حتى ولو كان هذا الشيء
جماعة متطرفة عنصرية ، قصة شون تمثل الكثير جدا مما نعيشه في عالمنا الحديث .
"هذه انجلترا" كما يقول الفيلم ، وكما يقول زعيم المجموعة التي انتمى لها شون ، انجلترا التي جعل منها سبباً كافياً لإخراج غضبه وحنقه على ظروفه وعلى الآخرين ، خلق منها معنى خاص به يقتات عليه ليصنع منه قوته ومركزاً له في المجتمع ليفرض به سطوته على الجميع ، ربما لم تختلف إنجلترا فعلا عن هذا المعنى بل لم تختلف عن ذلك الزعيم فأخذت ترسل قواتها هنا وهناك لتفرض سيطرتها وسياساتها غير عابئة بكل الجروح التي أصابت أهلها ومفهوم الوطن لديهم في مقتل .
وعلى الرغم من هذا الوضع الحزين المأساوي وعلى الرغم من كل التقزز الذي تشعر به ليس من مشاهد مقززة بصرياً كالعادة وإنما فقط من مشاعر وكلمات شخصيات كلها وحيدة وحزينة وغاضبة ، على الرغم من كل هذا إلا أن الفيلم جميل جداً ، حزن و وحدة شون ونضجه منذ البداية الناتج عن تجربة وفاة والده وتواضع المستوى المادي لأسرته وقدرة الطفل الصغير توماس ترجوز على تجسيد هذا ، مشاهده وهو يلعب وحيداً والتي تم تصويرها بزاوايا كاميرا واسعة تبرز مدى وحدته وضآلته وتبرز أيضا جمال هذا البلد الذي لا يُظهِر فيه المخرج جمالاً سوى جمال طبيعته ، مع اختيار ممتاز للأغاني والموسيقى في خلفية كل مشهد ، ثم مع تسلسل الأحداث ومرور شون بكل ما يحدث له ببراءة طفل ونضج حزين لينتهي الأمر به كما بدأ جالسا على سريره وحيداً في غرفته بجوار صورة والده ، ولكن هذه المرة لا يركز المخرج على صورة والده بالزي العسكري وإنما على صور نراها لأول مرة خلال الفيلم ، صور يعلقها شون بجوار سريره لأبيه على الشاطئ وأثناء الاجازة ونرى فيها وجه الأب ظاهرا بشكل كامل مبتسماً مرتاحاً على العكس من صورته العسكرية التي تختفي فيها عيناه تحت ظل القبعة العسكرية ، فربما لم يبق لنا من الأوطان سوى تلك الذكريات الحُلوة بعدما أصرت الحكومات بسياساتها القبيحة أن تطمس كل ما يميزنا وتسرق كل ما نحبه لتخلق منا أرواح مشوهة حزينة ، تجعلنا مجرد أرقام أو مجرد وسائل لتطبيق سياساتها .
0 التعليقات :
إرسال تعليق