كتب : خالد إبراهيم
التقييم : 4/5
بطولة : أليكس رودريغز ،
ماتيوس ناترغايلي
إخراج : فيرناندو ميريلليس (2002)
مونتاج
جنوني ، سرعة كبيرة ، أن تنظر فلا ترى ، أم تراك رأيت ؟ ، طابع ملحمي ، أطفال
وأسلحة ، صدمة ، عنف ، الكثير من العنف ، أهلاً بك في مدينة الرب !
تنوع
الأساليب الإخراجية قد يكون ممتعاً ، لكنه في نفس الوقت قد يصبح مشتتاً ، هذا ما
جعل للفيلم أحباء شديدي الإعجاب ، وأعداء شديدي السخط ، الفيلم يمتلك كل عناصر
النجاح النقدي والجماهيري ، العنف والجريمة ، الجنس والحلم ، مع بعض الأصالة
الثقافية التي ساهمت في لم شمل كل العناصر .
يبدأ
الفيلم برمزية قوية واضحة ، دجاجة تهرب من الذبح وسط ملاحقة العصابة لها ، عصابة
تتكون من شباب وأطفال ، تصل الدجاجة الهاربة إلى دجاجة أخرى (راوي الفيلم) ،
الراوي الذي يصبح محاصر بين العصابة من الأمام ، الشرطة من الخلف ، ودجاجة تنظر
إليه ، في مدينة الرب لا يمكن للمرء سوى أن يصبح رجل عصابة (أو طفل عصابة
للدقة) ، أو رجل شرطة ، أو دجاجة خائفة ، يرينا المخرج المحيط والحصار عن طريق
حركة دائرية للكاميرا تخطف الأنفاس ، قبل أن تنقلنا من الحاضر (القاتم) إلى
الماضي (الأصفر) حيث بدأ كل شيء .
"إن هربت ستمسك بك
الوحوش ، إن بقيت ستأكلك"
الراوي
لا يرغب أن يصبح أياً مما سبق ، وإن ظل خائفاً كدجاجة ، يريد الخروج من المدينة ،
وإيجاد عمل كمصور صحفي ، رغبته كانت لأن خيارات الحياة بالكاد معدومة داخل المدينة
، ربما خيارات الموت ليست كذلك ، لا توجد شخصية في الفيلم يمكن الوقوع في حبها
بسهولة ، كل الشخصيات تبدو مؤقتة ، قد يتم تعويضها نظراً لجنون القتل الدائر بين
العصابات ، لذا كل أفراد العصابات هم في الحقيقة أطفال ، لن يصلوا أبداً إلى بداية
العشرينات ، أحداث الفيلم مبنية على أحداث حقيقة ، وهذا ما يمنح الفيلم أصالته ،
كما يمنحه عدم يقينية ، توجد فقط في الواقع ، بينما في السينما كل شيء يبدو مرتب
ومحسوب ، فتكون بعض الشخصيات لا قلق عليها ، نعرف جيداً أنه سيتم الاحتفاظ بها
للنهاية .
بداية
تكوين العصابة كانت السرقة على منهج روبن هود ، بداية الحرب بين العصابات كانت
الانتقام الشخصي ، لكن كما نعرف – نحن و الأخوان كوهين – أن شيئاً ما لابد أن يسير بالخطأ ، الدم
دائماً يغير كل الحسابات ، يربك كل المسارات المحسوبة بدقة سلفاً ، الصدمة القوية
للمشاهدين كانت في العنف القائم على الأطفال ، كضحايا وجلادين ، هذا أيضاً أضاف
لجدلية قيمة الفيلم ، وتطرف العاشقين والمستائين ، قتال العصابات ينتج عنه عصابات
جديدة ، الصواب والخطأ لا لون لهما داخل المدينة ، فكل شيء يبدو حتمي ، المعركة
تستمر بين القدر والاختيار ، من يكسب ؟ ، وهل هي معركة متكافئة حقاً ؟
تناول
الفيلم بيئة وطبقة تم محوها بعناية من الصورة الظاهرية للبلاد ، المهمشون الفقراء
في العشوائيات ومساكن الإيواء ، حيث لا يكترث الساسة أو الدولة بهم ، سوى لزيادتهم
تهميش ، أو عندما تصبح هناك دماء تجعل الصحافة تهتم ، الموت – كما الحياة – رخيصة
في مدينة الرب ، على الرغم من هذا لم يتخذ الفيلم أبداً وجهة نظر
الدولة أو الشرطة ، فقط وجهة نظر العصابات ، وهذا شيء جدير بالاحترام حقاً ،
بالطبع الراوي ليس من أفراد العصابات ، لكنه كان أخاً لأحدهم ، كما أصبح يتعامل
معهم – اجبارياً واختيارياً – بصفة يومية ، ويظل أحد سكان المدينة الواقعين تحت
الضغط والخوف المصاحب لعدم الانتماء ، ما بين عصابة ودولة يشتركان في العبثية وعدم
الرحمة .
عند
عرض الفيلم في البرازيل تم استقباله بالمدح من قبل رئيس البلاد الاصلاحي الجديد لولا دا سيلفا
، تعرضت المدينة لاهتمام حكومي كبير لم تعرفه سابقاً ، يبدو أن السخرية النابعة من
اسم المدينة وأحداث الفيلم أتت بتأثير قاسي مطلوب ، خاصة مع مفاجأة متوقعة قرب
النهاية .
الشخصيات
كثيرة وغنية ، بتفاصيلها ودوافعها ، ما بين دوافع نعرفها وأخرى غامضة ، المخرج
استعان بممثلين غير محترفين من نفس المنطقة التي جرت بها الأحداث الحقيقية ، لأن
المخرج لم يجد ممثلين محترفين سود البشرة كافيين لفيلمه ، هذا القصور أصبح أكثر
شيء جيد حدث لمخرجه ، فالهواة اضافوا للفيلم ارتجالاً ومصداقية لم تكن لتوجد
بممثلين محترفين ، كما ساهمت في أصالة الفيلم ، والشعور بعدم اصطناعه ، رغم صنعته
الجيدة وتمكن مخرجه من كافة أدواته .
الأثر
(السكورسيزي) ملحوظ من البداية للنهاية ، لكن الخلاف الدائم كان
أي فيلم لـ (سكورسيزي) يمكن وضع اسمه مع اسم (مدينة الرب) ، البعض
قارن الفيلم البرازيلي بعمل سكورسيزي الكبير Goodfellas
، نظراً لراوي يأمل في أن يصبح رجل عصابات ، بالمقارنة مع راوي
فيلمنا الذي يسعى ألا يصبح واحداً ، أيضاً تمت مقارنة (مدينة الرب) مع Casino
و Gangs of New York
، بالأخص الأخير نظراً لتقارب صدور الفيلمين وللعنف والقسوة بهما
، على أي حال الفيلم بإمكانه جعل (مارتي) فخوراً.
الفيلم
المقلق لجأ إلى واقعية تتطلب دموية وقسوة وصدمة ، فهو فيلم لا يخشى أن يصدم ، طالما
الصدمة غير متعمدة وتلقائية ، الفيلم ينتقل بحرية في الزمن ، يستخدم كثيراً الفلاش
باك بصورة متنوعة وقصصية ، تم تقسيم الفيلم إلى فصول ، حيث علينا العودة إلى أجزاء
مختلفة من الماضي ، لنصل إلى اللحظة التي رأيناها في البداية ، وسنراها كذلك في
النهاية ، يستخدم الفيلم كاميرا محمولة ساهمت في اشعار المشاهد بالحصار ، حيث لا
كاميرا رزينة تجعل المسافة كبيرة بين المشاهد والفيلم ، إنما تجعله على بعد خطوة
مما يحدث أمامه ، ولا سبيل للهرب.
0 التعليقات :
إرسال تعليق