كتب : عبدالرحمن الخوالدة
التقييم : 4.5/5
بطولة : لي تشانغ كانغ , شين جينغ شو , يونغ مي كو
اخراج : تساي ليانغ مينغ (1994)
هناك في السينما عنصران
بالغا الأهمية ، الأول – الزمان – أما الثاني فهو
المكان ، والذي تدور عوالم المخرج تساي مينغ ليانغ حوله ، المكان في سينما ليانغ هو
المأوى والحضن الدافئ , الأمان والطمأنينة ... الحب , الذي لن تجده عن طريق
الإعلانات المعلقة والأسواق المترامية وسط الحشود المستهلكة لكافة المنتجات .. يدخلنا ليانغ وسط كوكبة من الحيوات المنصهرة في مجتمع ضخم , شبة ضائعة
(صامتة) في رتابة توفير الحاجات الأساسية للبقاء على الحياة ، تلك الأفراد التي تود
توفير مأوى لها وإشباع حاجاتها الغريزية , ومن هنا نصطدم بواقع رث ومريب حول قدرة
تلك المخلوقات على التواصل , وتبادل حقيقي للمشاعر بينها
.
يدرك مخرج العمل (يوصف
بأحد أهم رواد الموجة الجديدة التايوانية) أن البطء أسلوب جد معبر عما يود أن
يقوله في سينماته .. فمن خلال تلك التنقلات البسيطة والبطيئة في الإحداث يجرنا ليانغ على تلك
الغربة القاتلة التي تعيشها شخصيات العمل , تلك الوحدة التي تكاد تبتلع الشخصيات
المحورية الثلاث ، رغما عن الكم الهائل من البشر الذي يحيطون به . شخصيات ثلاث
يكون لقائها من خلال شقة فارغة (معلنة للإيجار) .. يظهر هنا قدرة المخرج التايواني
على طرح رمزيته بكل ذكاء وبساطة , فالشقة التي كانت السبب في التقاء شخصياته
الثلاث : فتاة (تعمل كسمسار عقاري) شاب (متشرد) شاب (يعمل كبائع متجول) والذي خلقت تلك العلاقة المثيرة للجدل والغير
مفسره تماماً وبمكان مؤقت يغدو فيه الثلاث هاربين (لاجئين) محاولين سرقة حزمة من الوقت
لقضائها مع الأخر ..
في Vive l’amour تكاد تكون الوحدة
هاجس ثقيل يسكن الشخصيات كما يسكنون الشقة الشبه فارغة وجل أثاثها سرير يجمع
الشخصيات الثلاث بشكل أو أخر ، يجعلنا التايواني نشعر بثقل تلك الرغبة لدى شخصياته
في أيجاد شخص دائم وليس مجرد مرور مؤقت والاختفاء فيما بعد ، ومن هنا جاءت محاولته
جعل (الشقة) المحور الرئيسي في عمله وتركيزه على الزوايا الفارغة
والصمت المطبق في أركانها , وجعلها مأوى غير آمن وغير حقيقي ، شخصيات العمل لا
تمتلك سوى لحظة وهم ، ومكان فارغ ، و زمان يكاد يكون مسروق من الآخرين ، تستمر
الشخصيات في الدوران حول بعضها وتلتقي بشكل قدري ولا تتمكن من الحديث سوى بشكل
متقطع مع إدخال جزء من التوتر ناتج عن الخوف الداخلي لديها من الأخر .
في احد أكثر مشاهد
العمل إلهاماً ، يجعل التايواني ممثله المفضل (شارك في معظم أعماله) لي كانغ شنغ
يقوم بالتواصل مع احد ثمار البطيخ (رمزيه مكرره لدى المخرج) والتي يقوم بحفر
قشرتها على شكل وجه إنسان ثم قذفها ككرة , لتتحطم على احد الجدران ، ومن ثم التهام
لب الثمرة الملقى على الأرض ، في خلفية المشهد يستوضح لنا المخرج شخصية العمل , من
خلال تلك الثمرة الباردة قاسية القشرة والتي لا ملامح لها ويجب عليك شطرها
للاستفادة من محتواها (استهلاك) , وهذا المشهد الخلاق يُعد من الرموز الجد مثيرة لتأمل
المتابع .
هذا عمل يحارب
الاستنزاف الزماني للإنسان والبحث الجاد عن الباب المؤدي إلى نجاح التواصل بين
الأفراد وإيقاف تلك الحالة من الاستهلاك الجسدي و الأهم الروحي الذي يلتهم
المخلوقات من الداخل ، عمل يستطيع أن يدخلك في متاهة من الأفكار حول الوجودي
الإنساني والغربة الناشئة عن الحضارة وضمور العواطف في زمن المادة ، يذكر أن العمل حصد
جائزة الأسد الذهبي في مهرجان فينيسيا الدولي .
0 التعليقات :
إرسال تعليق