كتب : مصطفى فلاح
التقييم : 4.5/5
بطولة : آن دورفال ، أنتوان أوليفييه بيلون
إخراج : زافييه دولان (2014)
الكثير ممن سيشاهد
هذا الفلم , سينتهي بقوله بأن الكندي زافييه دولان هو مخرجه المُفضل الجديد و يجري باحثاً عن أعماله
الأربعة البكر خلال أربعة سنين متتالية أنقضوا ، لم لا , فعمل أبن الخامسة و عشرون
ربيعاً الجديد هو بمثابة التأكيد الأكبر على حرفية سينمائي ولد من رحم الأبداع ,
أستاذ لمدرسة أسلوبية شديدة الحداثة رغم صغر سنه , و عامل دؤوب في بلورتها و جعلها
تبلغ النضج الذي وصلته خلال مدة قصيرة جداً من عُمر أنشاءها.
يعتمد دولان مرة
جديدة على تيمة شخصية دون التعريف الصريح عنها ، يأتمن فيها النص الحيوي و فنية
المشاهد المُبتكرة في تعزيز فكرة جريئة لطالما راودته أو حدث عاشه فعلاً ، في (كندا خيالية)
مُعاصرة , يفتتح المُخرج فلمه الأكثر مُحافظة و أقل جدلية حتى اليوم , و هو يُلازم
منهجه في تحويل الصدمات و زرع مُتغيرات مُفاجئة مع كُل مفترق طريق تنتهجه شخصياته
ذكية التأسيس و خالدة التأثير دون الاعتماد على مواضيع خلافية داعية لتباين وجهات
النظر - الميول المثلية , التحولات الجنسية , و العلاقات الأسرية الغريبة - كما في
سابقيه , و لكنه رغم ذلك ينجح في إدراج دراما اجتماعية بسيطة في ظاهرها و عميقة
جداً في مكنونها على رأس رف أعماله المُمتدحة خلال نصف عقد سابق بإجادة ما يُجيده ,
و ما يجيده هو لا يُجيده غيره !
شخصيات هذا الفلم
الثلاثة (أم , ابن , و جارة) تُعبر بشكل جميل و حقيقي عن وحدتها و عن توقها الى الاتصال
, و على الرغم من التناقض و الاختلاف بين ما يبدو عليها و ما تشعر به فعلاً فإيماءاتها
الرقيقة و التقلبات الآنية في تصرفاتها غير المتوقعة هي ما يُدغدغ مشاعرنا ,
يتلاعب بحواسنا , و يكشف لنا علاقتهم بصدق و شفافية دون فرض وجهة نظر خاصة ، و
بالنسبة لفلم يهتم بالمشاعر أكثر من الأفعال التي تولدها , فما يبدو مُباشراً و
غير مُجسماً على السطح , يتضح بأنه مُركّب أكثر تعقيداً من قراءات تبسيطية في
حيوات أشخاص جمعتهم غيمة عاطفية ازدادت كثافتها حتى أغرقتهم في سيل من المشاعر الحميمية
غير الواضحة .
لا أعرف حقيقة أمر
تكريم لجنة تحكيم (كان) المُنصرم لأصغر و أكبر مُرشحيها معاً , مُناصفة مع Goodbye to Language لغودار ، رُبما تكون مُفارقة مقصودة كون الأول يخلق رمزية سينما تقرب من
الأعمال الافتتاحية للموجة الفرنسية الحديثة التي تولى إخراجها الأخير , تلك التي تجعل
من ساحة الحياة ملعباً لكتابة سيناريو يمس دواخل مُتطلعيه دون أن يجعلنا نغفل و لو
للحظة بأننا نُشاهد فلماً فقط ! ، فضلاً عن تمرده على الأعراف السينمائية - أسوة
بصانعي الموجة أيضاً - في صنع الصورة , مكساج الصوت , تحرير اللقطات و توليفها
جميعاً في تناغم مُدهش , لا يجعل من شريطه السينمائي الطويل (حيوياً) فقط
بل يشبه (الحياة) عموماً ! ، فـ (دولان) مُمنتج بارع
لصورة و صوت أفلامه , رغم اعتماده على أدوات بسيطة لا تتطلب أكثر مما يتطلبه غيرها
من أعمال مُعاصرة ذات تيمة مُشابهة ؛ خالية من تعقيد الاختيار و مألوفة لكُل أذن و
عين , و رغم إيجاد مُتسرع الحكم في ذلك بوادر مُراهقة فنية خالية من العُمق و موطن
ضعف في صنع شريط آمن لا يُجاري أفكاره الكبيرة المُستترة إلاً أن دولان يجعل من
أغاني الروك و الرول البسيطة المُصاحبة لمشاهد فوتومونتاجية عادية أمر يأسر القلب
دون استئذان و لا يُبارح الذاكرة بسهولة ، بالنسبة لي , سيبقى شكل ستيف الفوضوي
- بطل الفلم - و هو يُمزق عرض أطار العرض غير التقليدي (1:1) ليحتل حجم الشاشة
كاملاً للمرة الأولى , الصورة الأكثر التصاقاً في ذاكرة العام الماضي و من خيالات
والدته الصبورة عليه و هو تراه ينضج ليصنع مُستقبلاً باهراً طالما تمنته له (مرة ثانية)
, المشهد الأكثر عاطفة و وجدان في 2014 .
زافييه دولان يشرح فهمه للإخراج
هنا بوصفه عملية توحيد لعناصر مُقررة و محسوماً سلفاً , مع عناصر يقوم باكتشافها
هو أثناء عملية التصوير ، وسيلته في ذلك هي لغته السينمائية اللافتة في جعلها
شاعرية الصورة , مُتقنة الإخراج , آسرة الأداء , و محكمة أيقاع السرد و لو أفترض
البعض - بخلافي - أنها سينما لا تزال في طفولتها أسوة بالعمر الفتي لصانعها , فهي
بكُل تأكيد تنمو بثقة و تعد بإنجازات رائعة على مدى طويل .
0 التعليقات :
إرسال تعليق