كتب : خالد إبراهيم
التقييم : 4/5
بطولة : أولغا برينو ،
تاتيانا ري
إخراج : ماريو بيشوتو (1931)
أثناء
دراسة المخرج في أوروبا ، وجد على أحد أغلفة المجلات صورة لفتاة تنظر مباشرة إليه ،
بينما أمامها يدي رجل ، لا يظهر من الرجل سوى اليدين التي في الأصفاد ، تلك الصورة
تسببت – بشكل مؤثر – في صنع سيناريو الفيلم ، عندما عاد كاتبه إلى موطنه البرازيل ،
عرضه على العديد من المخرجين ، رفض الجميع ، قرر الشاب – بمساعدة أحد الممثلين
المتحمسين للفكرة – أن يقوم بإخراجه بنفسه ، متأثراً بالتعبيرية الألمانية ،
المونتاج الروسي ، كلب (بونويل) الأندلسي بالطبع .
أقوى
عوامل الفيلم ربما كان عمل الكاميرا ، زوايا مبتكرة مذهلة نظراً إلى عمر الفيلم ،
كما أنها تظل جميلة إلى يومنا هذا ، أحياناً الزاوية منخفضة مائلة كزوايا ويلز ،
أحياناً تنظر الكاميرا إلى السماء عبر الأشجار مثل (راشومون) كوروساوا ،
أحياناً تسبح في الهواء بصفاء وتجرد ماليك ، الكاميرا تختار بعناية صبورة ما تنظر إليه ، كما أنها
عبرت كذلك عن الحالة النفسية للشخصيات ، وقت الاحساس بالهذيان أو الدوار مثلاً ،
نجد الكاميرا ترادف الشعور ، وتتخذ حركة دائرية مترنحة ، ترنح قد يصل إلى أن يصير
زاوية 360 درجة !
الفيلم
يمتلك عدد من الصور التي يمكنها أن تبقى مع المشاهد لفترة طويلة ، البحر المتلألئ
بفعل الشمس ، العيون التواقة إلى الحرية في مقابل السجن والقضبان ، آثار الأقدام
على الرمال والتي ستمحوها الأمواج مثلما ستمحى أصحاب الآثار فيما بعد ، بعض
اللقطات كانت مقربة للغاية بطريقة استثنائية ، لقطات لبعض الأغراض الصغيرة ، لكنها
تُشكِّل كل شيء بالنسبة للشخصية ونمط حياتها ، زر قميص قد يحتل كادر بأكمله ،
التركيز على الأيدي ، على الأقدام ، وتتبع الحركة الخاصة بهم منفردين ، بريسون لكان
سيكون سعيداً بهذا الفيلم ، الكاميرا رصدت بحرص التفاصيل الدقيقة للمحيط الخارجي
والداخلي للشخصيات ، كما رصدت تفاصيل الشخصيات ذاتها بدقة ، حيث تم التركيز
المنفرد أحياناً على الفم وعلى الشعر في أوقات أخرى .
هناك
تنوع بين اللقطات الثابتة ولقطات الحركة ، الزمن الطويل للقطات الثابتة – بخلاف
المعتاد في السينما الصامتة – ساعد في حفرها بعمق في ذهن المشاهد ، هذا يكون الغرض
في أغلب اللقطات الثابتة الطويلة عموماً ، لدينا هنا محاولة ناجحة ، اضف إلى ذلك
القطع عن طريقة التركيب البطيء للصور ، حتى يبدو وكأن الصورة الأولى لن تترك أبداً
الكادر للصورة التي تليها ، كل هذا التأني والصبر لم يمنع الفيلم أحياناً من
استخدام مونتاج روسي سريع ، الشيء الذي – للغرابة – لم يُشكِّل كسراً لطبيعة
الفيلم البطيئة .
الفيلم
طموح للغاية ، يجرب كل شيء ، هو لم يكن فقط أول أعمال مخرجه – 22 سنة أثناء
التصوير – مثل مواطن (ويلز) ، لكنه كان كذلك عمله الأخير رغم عمر الروائي المديد ،
على أي حال الفيلم صار واحد من أعظم الأفلام الصامتة ، تم انجازه في أول الثلاثينات
بعد دخول الصوت إلى السينما ، لكنه جاء ليقول من يحتاج الصوت حقاً ، لذا أصبح
أهلاً ليكون واحد من أعظم أفلام السينما إجمالاً ، تحفة منسية كانت لتصبح مفقودة ،
لولا إيمان شخص واحد ، مؤمن بالفيلم ، ساهم بمفرده في إعادة اكتشاف الفيلم ،
وتقديمه للعالم .
الفيلم
يستخدم أساليب متنوعة ، تصوير فريد ، مشاهد تجريدية ، استخدام مميز متداخل للفلاش
باك لعدة شخصيات في آن واحد ، لم يلجأ للعناوين التوضيحية – كما هي العادة في
الأفلام الصامتة – سوى مرتين ، واحدة منهما عن طريق خبر له علاقة بالقصة داخل
جريدة ، يقوم الفيلم بتصوير الأماكن والأبواب قبل وبعد دخول الشخصيات ، قبل وبعد
احتلالها للمساحة المكانية الخاوية ، مانحاً الاحساس ذاته في أفلام أوزو و بريسون ،
الحياة كمرحلة انتقالية نحتل بها الفراغ لبعض الوقت ، لا أكثر .
أحد
المشاهد يعرض جمهوراً يشاهد واحد من أفلام شابلن ، يرصد المشهد ضحكات الجمهور ، بنفس الأسلوب الذي
سيستخدمه بريستون ستورجس في Sullivan’s Travels
، لكن بوقع مخيف شرير لا يتناسب مع فيلم شابلن ، وإن
كان يتناسب مع الاسقاط الساخر بين فشل محاولة شابلن في الهرب من
السجن ، وفشل محاولة أحد الشخصيات في الهرب كذلك لاحقاً ، في مشهد آخر ، نرى الفتاة
بهيئتها ومشيتها داخل كادر يذكر بفتاة بريسون (موشيت) ، الفيلم يذكرنا بالعديد من الأفلام ، والعديد من
المخرجين ، لأن الفيلم – كما سبق – قد قام بتجريب كل شيء سيتم استخدامه لاحقاً ،
أو كل شيء جيد على الأقل .
يبدأ
الفيلم وينتهي بالطيور ، موضوع الفيلم لا يترك احتمال لتأويل رمزية الطيور ،
الحرية هي السمة الرئيسة للفيلم ، الحرية المكبَّلة بالأصفاد بينما تنظر الفتاة
متحدية ، الفيلم ينظر ببعض كآبة إلى الحياة المحدودة ، الجسد المحدود ، الحلم
المحدود ، السينما المحدودة ، أم هي ليست كذلك ؟
الفيلم
نصفه سردي ، نصفه تجريدي ، بالكامل تجريبي ، أحياناً يتولد الشعور بأنه فيلم
استعراضي ، لكنه – وإن كان صحيحاً – يظل استعراضاً آسراً ، محفزاً للشعور أكثر منه
للفكر ، مستقراً على شعري بصري قوامه اليأس والاستحالة .
0 التعليقات :
إرسال تعليق