كتبت : فاطمة توفيق
التقييم : 4/5
بطولة : بيلار لوبيز دي آيالا ، زافييه لافيت
إخراج : خوسيه لويس غيرين (2007)
مطاردة الحب، مطاردة
الحُلم والجمال ، هذا ما كان يفعله الشاب حينما كان يطارد (سيلفيا) في
طرقات المدينة الفرنسية القديمة ، وهذا ما نفعله نحن أو نحاول فعله في كل يوم من
أيام حياتنا ، ما كان الشاب يفعله منذ بداية الفيلم في محاولاته الدؤوبة لالتقاط
ذلك الجمال برسمه والتفكير فيه والكتابة عنه ثم ما تحول إلى فعل هوس بالنسبة إليه
وهو يطارد الفتاة هو تقريباً ما تتمحور حوله الحياة ، فكل منا يبحث عن جماله الخاص
، عن تحقيق حلمه ، وتسجيل رحلته إليه والبحث عنه حتى يجده ، الفيلم وكما قال
الكثيرون عنه هو قطعة شعر ، بصرية وسينمائية في مجملها الكثير من معاني الحياة ،
يكفي فقط أن تشاهده لتمتع عينيك وتشبع روحك بما فيه من جمال .
أعجبني جداً الدمج الذي صنعه المخرج حينما رن هاتف الفتاة المحمول فانتقلت
الكاميرا بعدها إلى منظر المرأة التي تسكن الشارع بلا مأوى ، تحيط نفسها بزجاجات
الخمر الفارغة وتغطي نفسها بملابس متسخة ، فالإزعاج والقبح والنقيض الذي خلقه رنين
الهاتف المحمول والذي كان شاذاً جداً عن جو الفيلم الرومانسي الرائق كان يشبه قبح
حياة ومصير هذه المرأة بأقدامها المتسخة وملابسها القديمة وسط هذه المدينة الجميلة
بطرقاتها وشمسها وبيوتها ، أعجبني هذا الدمج بين هذا وذلك القبح وفي نفس الوقت
قدّرت تقدير وإظهار المخرج لكل ما هو معاكس لجمال هذه المدينة ، ففي مدينة سيلفيا ، هذه
المدينة التي جعل منها المخرج رمزاً لأحلامنا ولكل شيء جميل نسعى خلفه ، في هذه
المدينة ليس كل شيء جميل كما نريد ، وإنما توجد هذه المرأة بلا مأوى والرجل العجوز
الذي يمر بين السائرين يطلب قرشاً يأكل به والشاب الأسمر الغريب عن المدينة - والذي
قد تجد فيه تمثيل للأقليات - والذي يبيع البضاعة الرخيصة طلباً للرزق ، ربما جمع
المخرج بين كل هذه الشخصيات والشاب الذي يمشي وراء سيلفيا ليخبرنا أنه
لا فرق بينه وبين كل هؤلاء ، فكلهم يسعون خلف ما يريحهم ولو قليلاً ، كلهم في رحلة
هذه الحياة يتمنون ما يجعلهم سعداء مهما كان بسيطاً ، متعباً أو حقيراً .
وجدت في الفيلم الكثير من روح السينما وصناعها ، وجدت الكثير من روح عباس كياروستامي وخاصة في فيلمه مع جولييت بينوش Certified Copy، وجدت أيضاً شيء من روح ريتشارد لينكلاتر وفيلمه Before Sunrise ووجدت أيضاً شيئاً من روح هيتشكوك في فيلمه Vertigo، كما وجدت أن الفيلم أيضاً هو خير تعبير عن أن السينما قادرة على التقاط ما يصعب التقاطه ووصفه من تفاصيل الحياة ، كل لحظات الصمت ، الحوارات الجانبية بين مرتادي المقهى ، رسم الشاب لما يرسمه ثم حذفه ، لياليه الوحيدة في الفندق ، لحظات شروده ، مطاردته للفتاة وكل ما حول ذلك من وقت يقضيه سكان المدينة من حولهم ، حوارهما في النهاية ثم لحظات الصمت من بعدها والصور التي كانت تلتقطها الكاميرا بزوايا واسعة للمدينة وسكانها وكيف تتحرك الحياة ، كل هذا وأكثر من ذلك مما تشاهده في الفيلم بشكل أخاذ يسرقك من نفسك .
في النهاية ، وجدت أن كل امرأة ينظر إليها ذلك الشاب قد تكون سيلفيا ، بل ربما كل تلك النساء هن سيلفيا ، كلهن بجمالهن الخاص الذي يميز كل منهن ، وجدت أن المدينة في حد ذاتها هي سيلفيا ورحلة البحث نفسها هي سيلفيا ، فـ (سيلفيا) هي كل ذلك الشغف والجمال والحب والمعاناة وطول الأمل الذي يشهده الشاب في رحلته للبحث عنها ، وفي رحلة كل منا في البحث عما يريده .
0 التعليقات :
إرسال تعليق