كتب : خالد إبراهيم
التقييم : 4/5
بطولة : برينو ميلو ،
ماربيسا داون
إخراج : مارسيل كامو (1959)
رغم
الإخراج والانتاج الفرنسي لكن الفيلم برازيلي للغاية ، بالطبع الفيلم مبني على
مسرحية كاتبها برازيلي ، لكن ما يمنح الفيلم أصالته البرازيلية الخاصة كان البشر
والموقع والحدث ، وبالتأكيد الموسيقى ، أعتقد أن مقارنة الصوت بأي من عناصر الفيلم
الأخرى أمر غير عادل ، فالصوت كان الأكثر أهمية وانتشاراً وتأثيراً ، الفيلم قدم
موسيقى (بوسا نوفا) إلى العالم ، ويبدو أن الأخير كان متلهفاً لموسيقى السامبا
، فحققت بوسا نوفا انتشاراً كبيراً ، وساهمت بشكل ملحوظ في اشعال ثورة
موسيقية عالمية ، والتسبب في إنقلاب ناعم – غير مقصود – في ذائقة المستمعين .
الفيلم
لاقى كذلك نجاحاً نقدياً كبيراً ، حيث تم تكريمه بعدد من الجوائز الكبرى ، ليصبح
أحد الأفلام القليلة التي تجمع ما بين سعفة (كان) ، أوسكار أفضل فيلم
أجنبي ، الجولدن جلوب لنفس الفئة ، جدير بالذكر أن العام كان حافلاً
بأفلام ستصبح أعمال كبيرة فيما بعد ، حيث كان ينافس (أورفيوس الأسود) في (كان) أسماء
مهيبة على غرار The 400 Blows – Hiroshima Mon Amour – Nazarin.
لا
يمكن تحديد إجابة للسؤال إن كان الصدى الكبير الذي وجده الفيلم كان بسبب الموسيقى ،
أم أن العكس هو الصحيح ، الفيلم قدم للعالم كذلك الثقافة الاحتفالية البرازيلية ،
عن طريق شعب / طاقم تمثيلي لا يتوقف عن الرقص ، كيف يكون الكرنفال في البرازيل ،
كيف يتم تذويب الفروق بين الطبقات خلال الحدث ، "سعادة الفقراء في وهم
المهرجان" ، هناك ملامح بسيطة للفقر داخل الفيلم ، لكنها – وإن كانت
ملحوظة – أتت دون إجبار ، كما يمكن ملاحظة التكدس السكاني والزحام والصخب ، كل ما
يمكنه منح الشعور العام للمدينة الأعجوبة (ريو دي جانيرو).
الفيلم
نجح في جعل التراجيديا خفيفة بطريقته الخاصة ، لم تسيطر على الفيلم المشاعر القوية
، التي تكون معتادة أو حتمية عند تناول قصة رومانسية تنتهى نهاية مأساوية كما في
الأسطورة الإغريقية ، حيث أن الفيلم أراد أن يكون تعريفياً تثقيفياً ، أكثر من
رغبته في الالتزام بالأسطورة ، أثناء ذهاب الفتى أورفيوس للزواج من
فتاة ، سأل الموظف المختص – بعد أن علم اسم أورفيوس – إن كان اسم
الفتاة يوريدس ، طريقة خاصة في الدعابة والتذكير بالأسطورة ، كما كانت
طريقة درامية أيضاً لزرع حب يوريدس في قلب أورفيوس .
الشيء
اللافت والمختلف عن الأسطورة ، أن الفتاة يوريدس ماتت بعد ملاحقة شخص مقنع لها ، يرتدي زي الموت (زي ليس
بالشاذ أثناء الكرنفال) ، الشخص الممثل للموت أو القدر لم يقتل الفتاة ، لكن
حبيبها الذي أراد حمايتها هو من تسبب بقتلها دون قصد منه ، أحد النقاد أشار إلى أن
الأمر يرمز لعقاب شعري للفتاة التي سلمت جسدها لحبيبها في نفس يوم اللقاء الأول ،
الليلة الوحيدة ، عقاب شعري يبدو محبباً في الأساطير ، لكن الفتى نفسه سيلحق بها
على يد الفتاة التي لم يتزوجها ، أيضاً دون قصد منها ، حتى يجتمع العاشقان سوياً
من جديد ليشكلا زهرة ، في واحدة من أكثر صور الفيلم رومانسية ، الأمر ليس عقاب
شعري إذاً .
الفيلم
مزج بذكاء الواقع والخيال ، حتى صار من الصعب تحديد أيهما ، الشيء اللافت في تلك
المحاولة لجعل الأسطورة عصرية ، كان في إعادة تعريف الجحيم ، تقول الأسطورة أن أورفيوس كي
ينقذ يوريدس تحتم عليه الذهاب إلى الجحيم ، لكن أورفيوس الأسود تحتم
عليه أن يمر بجحيم أسوأ ، جحيم بيروقراطي ، المستشفيات الرسمية ، أقسام الشرطة ،
"لا يوجد هنا سوى الأوراق .. وكل هذه الأوراق لن تهديك الإجابة .. هل
تظن أن الأوراق تهتم بأمر أحد؟".
اللون
الأحمر صاحب التواجد اللافت طوال الفيلم ، كان نذيراً بشؤم على وشك الحدوث ،
الألوان – بصفة عامة – حتمية الوجود بالنسبة للفيلم ، لا يمكن تصوره بدونها ، وإن
تم ذلك لفقد الفيلم جزء كبير من قيمته .
المخرج
الفرنسي – الذي عمل مساعداً لبونويل و جاك بيكر وكان سجيناً أثناء الاحتلال النازي – اختار الشخصية
الرئيسية أثناء مشاهدته أحد المارة يعبر الشارع ، قد يكون الممثل الذي لعب دور أورفيوس الأسود
غير محترف كممثل ، لكنه كذلك كلاعب كرة ، الممثلة التي لعبت دور يوريدس كانت
راقصة أمريكية جميلة (بالتأكيد) ، طاقم التمثيل غير المحترف ساهم في تأصيل الفيلم ،
وجعله أكثر برازيلية منه إلى الفرنسية .
القدر
يبدو وكأنه يتأرجح بين الحتمية والاختيارية ، الموت أمراً لا مفر منه ، بينما بزوغ
الشمس في اليد ، حيث يعتقد الأطفال أن أورفيوس يمكنه بعزفه وغنائه جعل الشمس تشرق ، هذا – وإن لم يكن
صحيحاً – لكنه يمنح الأمل ، المشهد الأخير جاء مؤكداً كذلك على الأمل ، مانحاً
مشاهده ابتسامة كبيرة تساعد بدورها على تخفيف المأساة ، أو نسيانها بالمرة .
بعض
النقاد والبرازيليين المتحمسين انتقدوا الفيلم لعدم وثائقيته كفاية ، ليعبر عن
الصورة الحقيقية للبرازيل ، كما يرونها ، عوضاً عن كاميرا تمثل عين سائح ، مشهد
الشعائر الدينية – الذي حضره اليائس أورفيوس لاستحضار روح الحبيبة – يمكن اعتباره وثائقي بامتياز ،
لكنه ربما كان أضعف ما في الفيلم ، طويلاً لا يبدو أنه سينتهى ، أعتقد أن ما
رأيناه من البرازيل كافياً ، خاصة بالنسبة لفيلم خفيف على المعدة يتناول الخيال ،
ربما لا يرضى طموح البعض ، لكنه يظل تمهيداً لا بأس به لثقافة جديدة يبدو أن
العالم دائم التعطش لواحدة .
0 التعليقات :
إرسال تعليق