كتب : خالد إبراهيم
التقييم : 4.5/5
بطولة : جيرالدو ديل ري ،
يونا ماغاليس
إخراج : غلاوبر هوشا (1964)
"هنا تكمن مأساة
الأصالة للسينما البرازيلية الجديدة – (السينما نوفو) – في علاقتها بالسينما
العالمية ، لأن أصالتنا هي جوعنا ، مصيبتنا الكبرى أن الجوع يُحسّ ، لا يُفْهم"
- جلوبير روشا
الشاب
الثائر روشا – صاحب الخمس وعشرين عاماً – يريد صُنع فيلم يحمل رؤيته
لبلده ، كما العادة ، كاميرا الثائر بندقية ، يصبح فيلم روشا فيلماً شديد
البرية ، شديد القحالة ، لكنه يظل غني وجميل بطريقة ما ، البرازيلي تمكن – بمهارة
نادرة – من إيجاد نوع من الجمال ، وسط كل السياسة والجوع والفقر .
من
البداية يتم استقبالنا بالصدمة خلال أول لقطات الفيلم ، جثث متعفنة يبدو أنها
لحيوانات ، أرض قاحلة لا تمتلك القدرة على ثورة يرغب فيها مخرج الفيلم ، لكن الثائر
– بالطبع – لا يفقد الإيمان ، صورة الفيلم قوية عالية التباين ، حتى يشعر المشاهد
بحرارة الشمس ، نقاط العرق على وجوه وأجساد الشخصيات ، وجوه مرت عليها الكاميرا
بفضول متمعن في كم البؤس واليأس داخلها ، تقنية قد تتيح للمخرج النجاح في همه
الأكبر ، جعل قضيته الرئيسة – الجوع – تُشْعر عوضاً عن أن يتم تفهمها ، التباين
العالي والصدمة عوامل مشتركة بين فيلم روشا وفيلم مواطنه دوس سانتوس Barren Lives ،
حيث تبدو مميزات ضرورية لسينما جديدة تولد في البرازيل .
المخرج
– وإن كان ثوري – لا يقدم حلولاً ، الفيلم – وإن كان ثوري – لا ينتصر للثورة ،
الفيلم بري غاضب لا يسامح أحداً ، جميع الشخصيات لا تستطيع سوى تقديم مصلحتها
ومجدها الشخصي على أي شيء آخر ، مستعدة لسفك دم الآخر بضمير مرتاح ، سلطة غاشمة
ودين نظامي مُنتفِع في مقابل فوضى ، حيث لا يتبقى سوى جنون الثائر الديني ، وجنون
الثائر المسلح ، الاثنان كان من السهل القضاء عليهما لسذاجة تفكيرهما ، في مقابل
شر أكثر حكمة وتبصُّر ، روشا جعل مصير الجميع حتمي واجب النفاذ .
القديس
تنبأ بمعجزة تُنقذ العالم ، ثم فسر المعجزة بأنها حريق يأكل الكل ، بينما الأرض
الموعودة تكون للأوفياء ، حين تنطبق السماء على الأرض ، فتكون جزيرة واحدة ،
أحياناً لا يكون هناك تصور للخروج من المأزق سوى تلك الطريقة ، كارثة تهدم ، وتجعل
البناء من جديد أمر لا مفر منه .
أنطونيو داس مورتيس قاتل
أسطوري تم استئجاره من قبل الاقطاع والكنيسة لقتل القديس المزعوم ، يشترك القاتل
مع القديس في رؤيتهما للخلاص مع اختلاف بعض التفاصيل ، فهو يعتقد أن الجميع يجب أن
يموت ، عندما تأتي "حرب دون خوف من رب أو شيطان" ، فيقوم بقتل الجميع ثم يقتل
نفسه .
أنطونيو
يقتل ليس بدافع المال ، وإن تقاضاه ، ليس بدافع الكراهية ، ولكن لأنه لا يطيق رؤية
بؤس الناس ، فبقتله لهم يمكنه اراحتهم من هذا البؤس ، ومن عذابه الخاص لرؤيتهم على
هذا الحال ، روشا جعل الصليب لا يكاد يغادر كادر قاتل يخشى عذاب الآخرة ! ،
بعد بضع سنوات سيجعل روشا تلك الشخصية الغامضة الغنية – (أنطونيو) – فيلماً
يحمل اسم صاحبها ، تصميم الشخصية وطريقة المخرج الساحرة في جعلها غامضة وأكبر من
الحياة ، ألهمت سيرجيو ليوني لتصوير شخصياته ، ليوني – على ما يبدو
– كان معجب كبير بأعمال الشاب العبقري روشا .
"يصبح الرجل رجلاً
عندما يحمل بندقية ، لا صليب ، لتغيير مصيره"
الفيلم
كان مزيجاً من قصة سردية واضحة ، ورؤية سريالية غامضة ، بونويل نفسه صرح بأن
الفيلم هو أجمل فيلم رآه خلال العقد ، "بكل ما فيه من شعر متوحش"
النصف الأول من الفيلم كان أكثر سردية من النصف السريالي الآخر ، ينتصف الفيلم بأحد
أهم المشاهد الصدمة التي يتضمنها ، حيث يتم تقديم طفل رضيع كقربان بشري عن طريق
القديس ، القديس الذي منح الضعفاء أملاً في الاستقواء بالرب ، للخلاص من ظلم الشر ،
لكن الأمل سرعان ما تحول إلى خلق شر جديد ، الكنيسة – التي لم تعد تدر الأموال
بسبب انصراف الناس عنها و لجوئهم للقديس – تحالفت مع الاقطاع لقتل الرجل ، الاقطاع
يخشى ثورة البسطاء ضد ملاك الأراضي والماشية ، كل هذا والقانون – كما العادة –
يحمي أصحاب النفوذ ، ويسحق الفقير الضعيف .
المخرج
استخدم الأغاني والموسيقى الشعبية لرواية القصة ، بطريقة محببة شديدة الخصوصية ،
الأغاني الشعبية ، أسطورية القاتل المحترف ، بالإضافة إلى ثائر مسلح يرتدي زي
عسكري (نابليوني) ، كل هذا قام بإرباك حسابات الواقعية داخل الفيلم ،
أين الحقيقة ، أين الحلم ، الفيلم لم يكن خيالي بالكامل ، أو واقعي بالكامل ، لكن
المؤكد أنه رمزي سياسي ، أو – كما قلنا سابقاً – سلاحاً قام بتشكيله ثائر مغامر
يمكنه إيجاد الجمال وسط الجوع والظلم والأرض القاحلة .
روشا كان
قد كتب (مانيفستو) لحركة (سينما نوفو) يشرح فيه العوائق والأهداف ، اطلق على ما كتبه : (جماليات الجوع)
، يجد الشاب أن العنف ليس بسبب بدائية ، أو عدم تحضر ، لكنه نتيجة طبيعية للجوع ، يجد
العنف مؤشر جيد ، حتى يلحظ المستعمِر وجود المستعمَر وكينونته .
كادرات
مرسومة بعناية لتشكيل تكوين بصري ذا دلالة وجمال ، التنويع بين لقطات طويلة في بعض
المشاهد وقطع سريع في مشاهد أخرى ، كاميرا محمولة كثيرة الاهتزاز كافية لتشعر
بتعثر المصور على طرق غير ممهدة ، في مقابل كاميرا رصينة لتهيئة المزاج العام ،
كاميرا تلتقط كل ما يرغب المخرج في رصده بالطريقة التي يراها مناسبة ، وما أكثرها
الطرق ! ، وغير ذلك مما جعل روشا يلمس طموحه ، ويجعل المشاهد يشعر ، أوليس هذا هو كل ما هي
الأفلام عنه ؟
0 التعليقات :
إرسال تعليق