الثلاثاء، 24 فبراير 2015

Viridiana

كتب : فراس محمد

التقييم : 5/5

بطولة : سيلفيا بينال ، فيرناندو ري
إخراج : لويس بونويل (1961)

بقدر ما هو لاذع , بقدر ما كان الفلم الاكثر تصالحاً لبونويل مع ما اعتبره عامل صراعه الاكبر "الدين" , او هذا ما اعتقده , بونويل لا ينتقد الدين في هذا الفلم , هو ينتقد قدرة هذا الدين على الاصلاح , على التأسيس لواقع افضل , شخصيته الرئيسية فيرديانا ربما هي الشخصية الوحيدة من بين شخصيات بونويل المتدينة التي يمكن اعتبارها شخصية بيضاء , المخرج الذي وصفه روجر ايبرت بأنه الرجل الاكثر ايذاءاً في السينما يدفعك للتساؤل , هل ما قامت به فيريديانا ذات دوافع دينية , او ذات دوافع انسانية ؟ , هل عدم التدين يعني عدم القدرة على القيام بعمل صالح ؟

بونويل يُجيب عن هذا السؤال , وإن كان بأسلوبه الرمزي , زوج عم فيرديانا الذي تعتبره شخصاً "سيئا" من وجهة نظر دينية , انقذ النحلة التي كانت تغرق في برميل من الماء , ابنه "الغير شرعي" اشفق على الكلب المُقيد بالعربة واشتراه , اذن يبدو ان منظور "فعل الخير" يختلف حسب منظور بونويل عما يحتم الدين اعتباره , والمفارقة الاكثر وضوحاً في تعريف الخير او العمل الصالح تراه في جسد فيرديانا , كيف كان وسيلة عمها لإبقاءها , وكيف تحول في نهاية الفلم لمبعث للذة والشهوة , المفارقة الاكبر كانت في الشخصيات التي حاولت اغتصاب هذا الجسد , يبدو ان فعل التعدي جسدياً عليها في بداية الفلم كان بدوافع نبيلة على عكس ما ظهر في نهاية الفلم , بالرغم من ان الفعل بحد ذاته مرفوض دينياً , وبالرغم من ان المعتدي الاول كان من قبل "شخص سيء" , وفي الأخير كان ممن قُدمت لهم الصدقة او الحسنة , هم انفسهم من صلوا جماعياً في الحديقة , في نفس الوقت الذي كانت اعمال البناء تتم من قبل من لا يصلون وبأوامر من لا يؤمنون , يبدو واضحاً اثر المونتاج في هذا المشهد لوضع مقارنة صريحة .

ما يجعل بونويل مميزاً هو تناوله لهذه المواضيع الشديدة الجدية والتي تعني للكثير الكثير , كان يتناولها بأسلوبه المتهكم الساخر , الرجل يبدي نوعاً واضحاً من الكره الممزوج بالشفقة تجاه من يرتدي الدين ليستر به قبحه , جشعه , تخلفه , فقره , وضاعة اخلاقه , وخبثه ونكرانه للجميل .. وما أكثرهم ، و مالا يمكن حصرهم بمتشردي فيرديانا .
 
يبدو أن بونويل صنع الظروف الملائمة لفيريديانا كي تتم عملية التحول لديها , لا أرى في ذلك نبذا لتدينها , بقدر ما هو رفض لاستخدامه , او بالتصرف بدافع منه , ويبدو ان مشهد الصليب الذي يـُفتح على شكل سكين كافياً للتعبير عن هذه الافكار , ففيرديانا طُعنت بأكثر ما تراه مقدساً , ومن قبل أكثر من تراهم استحقاقاً لعطف الدين وتسامحه , بينما في النهاية لم تجد ملجأ سوى لدى من كانت تعتبرهم النقيض من ذلك .

الرمزية في فلم بونويل الذي نال عنه السعفة فيها من الوضوح ما يجعلها صادمة ومباشرة ومتعددة التأويل , صادمة لطريقة استخدامها المذهل , ومباشرة لأنها بليغة بالشكل الذي لا تحتاج للكثير من الكلمات لوصفها , ومتعددة التأويل لأن بونويل ترك مساحة كافية لتفهم من خلالها كما تريد , لماذا الشحاذ الاعمى في وسط لوحة العشاء الاخير , لماذا طوق الشوك تم احراقه بواسطة ابنة الخادمة , لماذا انتهى الفلم بلعبة ورق , لماذا ابتسم زوج عم فيريديانا قبل ان ينتحر , ولماذا وقعت الخادمة في حب ابنه , ولو استطعت ان تركب كل ما تحمله هذه المشاهد من تأويلاتك الشخصية , سيبدو انك حصلت على واحدة من أكثر كاريكاتورات بونويل قوة وتهكماً ، يُشبع الظمأ .. ويثير الدهشة .


0 التعليقات :

إرسال تعليق

Flag Counter