كتب : فراس محمد
التقييم : 5/5
بطولة : سيلفيا
بينال ، فيرناندو ري
إخراج :
لويس بونويل (1961)
بقدر ما هو لاذع , بقدر ما كان الفلم الاكثر تصالحاً لبونويل مع ما
اعتبره عامل صراعه الاكبر "الدين" , او هذا ما اعتقده , بونويل لا ينتقد الدين
في هذا الفلم , هو ينتقد قدرة هذا الدين على الاصلاح , على التأسيس لواقع افضل , شخصيته
الرئيسية فيرديانا ربما هي الشخصية الوحيدة من بين شخصيات بونويل المتدينة
التي يمكن اعتبارها شخصية بيضاء , المخرج الذي وصفه روجر ايبرت بأنه الرجل
الاكثر ايذاءاً في السينما يدفعك للتساؤل , هل ما قامت به فيريديانا ذات
دوافع دينية , او ذات دوافع انسانية ؟ , هل عدم التدين يعني عدم القدرة على القيام
بعمل صالح ؟
بونويل يُجيب عن هذا السؤال
, وإن كان بأسلوبه الرمزي , زوج عم فيرديانا الذي تعتبره شخصاً "سيئا" من
وجهة نظر دينية , انقذ النحلة التي كانت تغرق في برميل من الماء , ابنه "الغير شرعي"
اشفق على الكلب المُقيد بالعربة واشتراه , اذن يبدو ان منظور "فعل الخير"
يختلف حسب منظور بونويل عما يحتم الدين اعتباره , والمفارقة الاكثر وضوحاً في تعريف
الخير او العمل الصالح تراه في جسد فيرديانا , كيف كان وسيلة عمها لإبقاءها , وكيف
تحول في نهاية الفلم لمبعث للذة والشهوة , المفارقة الاكبر كانت في الشخصيات التي حاولت
اغتصاب هذا الجسد , يبدو ان فعل التعدي جسدياً عليها في بداية الفلم كان بدوافع نبيلة
على عكس ما ظهر في نهاية الفلم , بالرغم من ان الفعل بحد ذاته مرفوض دينياً , وبالرغم
من ان المعتدي الاول كان من قبل "شخص سيء" , وفي الأخير كان ممن قُدمت لهم الصدقة او الحسنة
, هم انفسهم من صلوا جماعياً في الحديقة , في نفس الوقت الذي كانت اعمال البناء تتم
من قبل من لا يصلون وبأوامر من لا يؤمنون , يبدو واضحاً اثر المونتاج في هذا المشهد
لوضع مقارنة صريحة .
ما يجعل بونويل مميزاً هو تناوله لهذه المواضيع الشديدة الجدية والتي تعني
للكثير الكثير , كان يتناولها بأسلوبه المتهكم الساخر , الرجل يبدي نوعاً واضحاً من
الكره الممزوج بالشفقة تجاه من يرتدي الدين ليستر به قبحه , جشعه , تخلفه , فقره ,
وضاعة اخلاقه , وخبثه ونكرانه للجميل .. وما أكثرهم ، و مالا يمكن حصرهم بمتشردي فيرديانا
.
يبدو أن بونويل صنع الظروف الملائمة لفيريديانا كي تتم عملية
التحول لديها , لا أرى في ذلك نبذا لتدينها , بقدر ما هو رفض لاستخدامه , او بالتصرف
بدافع منه , ويبدو ان مشهد الصليب الذي يـُفتح على شكل سكين كافياً للتعبير عن هذه
الافكار , ففيرديانا طُعنت بأكثر ما تراه مقدساً , ومن قبل أكثر من تراهم
استحقاقاً لعطف الدين وتسامحه , بينما في النهاية لم تجد ملجأ سوى لدى من كانت تعتبرهم
النقيض من ذلك .
الرمزية في فلم بونويل الذي نال عنه السعفة فيها من الوضوح ما يجعلها صادمة ومباشرة
ومتعددة التأويل , صادمة لطريقة استخدامها المذهل , ومباشرة لأنها بليغة بالشكل الذي
لا تحتاج للكثير من الكلمات لوصفها , ومتعددة التأويل لأن بونويل ترك مساحة
كافية لتفهم من خلالها كما تريد , لماذا الشحاذ الاعمى في وسط لوحة العشاء الاخير ,
لماذا طوق الشوك تم احراقه بواسطة ابنة الخادمة , لماذا انتهى الفلم بلعبة ورق , لماذا
ابتسم زوج عم فيريديانا قبل ان ينتحر , ولماذا وقعت الخادمة في حب ابنه , ولو
استطعت ان تركب كل ما تحمله هذه المشاهد من تأويلاتك الشخصية , سيبدو انك حصلت على
واحدة من أكثر كاريكاتورات بونويل قوة وتهكماً ، يُشبع الظمأ .. ويثير الدهشة .
0 التعليقات :
إرسال تعليق