كتبت : فاطمة توفيق
التقييم : 4.5/5
بطولة : ليكا بابلواني ، مريم بوكيريا
إخراج : نانا ايكفتيميشفلي ، سيمون جروس (2014)
في زمن الحرب ، تكون هدية
الفتى إلى حبيبته مسدساً ..
عام 1992 حينما كانت جورجيا تعاني من أهوال الحرب الأهلية وانهيار الاتحاد
السوفييتي يبدأ الفيلم وفي الخلفية صوت رجل يتحدث في الراديو عن أن أصل أهل جورجيا بأنهم
مقاتلون وأن الحل الأمثل لكل ما يعانونه الآن هو أن يمتلك كل فرد منهم سلاحاً ،
ومنذ بداية الفيلم تضع المخرجة الجورجية و كاتبة السيناريو الشابة نانا ايكفتيميشفلي
والمخرج الألماني سيمون جروس الحرب في خلفية الأحداث ، ولكنك ستشاهد حرباً في كل
شيء ، في الشوارع ، في العلاقات الأسرية ، المدارس ، لا توجد مساحة مسالمة رائقة
سوى المساحة الموجودة بين تلك الفتاتين بطلتا القصة واللاتي بدأن في الكِبر وفي
مواجهة العالم ، تلهوان سوياً مع غيرهما من الفتيات ومن أقرانهما من زملاء المدرسة
، يغنيان ، يتحدثن عن الفتيان ويفخرن بجمالهن ، ولكن على الرغم من تركيز الفيلم
على الهامش الأبعد تماماً عن الحرب ، على الصورة الرمزية لفتاتين مراهقتين حالمتين
والتي تتناقض في كل شيء مع وحشية الحرب وقسوتها ، إلا أن الحرب تأبى إلا أن تغلف
كل شيء وتفرض سيطرتها عليه وتجعل نفسها جزءاً من هموم الفتيات الشخصية ، فالحرب هي
التي جعلتهما يتشاجرن مع الناس كل يوم للاصطفاف أمام المخبز للحصول على الخبز
بينما يستطيع المحاربون الحصول على ما يريدونه بكل سهولة ، الحرب هي التي ضيقت على
أسرهم فجعلتهم يعيشون جحيما يوميا يفرغونه بالغضب على بعضهم البعض ، والحرب أيضاً
هي التي منعت الفتاة من حبيبها حينما زرعت الخوف في قلوب الناس فمنعتهم من الدفاع
عنها وقت اختطافها .
ذكرني الفيلم كثيراً بالفيلم الروماني 4 Months, 3 Weeks, and 2 Days للروماني كريستيان مونجيو في قدرته على إظهار مدى قسوة العالم حتى على فتاتين صغيرتين لا يملكن سوى صداقتهما وأحلامهما الشخصية ، تذكرت الفيلم الروماني أيضاً لتشابه التصوير وسيطرة الألوان الباردة القاسية على الصورة والتي تشبه عالم الفتيات القاسي في كلا الفيلمين ، ثم اكتشفت بعد انتهاء الفيلم أن المصور السينمائي اوليج موتو هو نفسه في الفيلمين ، من أشهر مشاهد الفيلم الروماني حينما تجلس الفتاة على طرف حوض الاستحمام تحيطها البلاطات الزرقاء المبطنة لحائط الحمام يتكرر في الفيلم هنا مع نفس المشاعر ونفس الظروف ، فهُنا اغتصاب وهناك اغتصاب وإن اختلفت الأسباب والظروف المحيطة .
الآداءات العظيمة من الفتاتين يصعب إغفالها ، و خاصةً ان أغلب مشاهد الفيلم تم تصويرها كلقطة واحدة طويلة ، ومع أن الفتاتين كلتاهما تقفان أمام الكاميرا لأول مرة وتحت إدارة مخرجَين يقومان لأول مرة أيضاً بإخراج فيلم روائي طويل ، إلا أن أداءاتهما كانت مبهرة وبالذات مع تصاعد وتيرة الأحداث وتراكم المشاعر وظهور ذلك على وجهيهما وحتى نصل لقمة الآداء من الفتاة التي قامت بدور إيكا حينما قدمت مشهد الرقص في زفاف صديقتها ، مشهد أعتقد أنه من أجمل ما سأشاهده في أفلام هذا العام .
ينتهي الفيلم مع مشهدين يوضحان النضج الذي أصاب الفتاة بعد كل ما مرت به ، فتتخلص من السلاح وتصبح أكثر قدرة على المواجهة والتعامل مع ما تهرب منه طوال الوقت ، وأعتقد أنه يمكن رؤية الفتاة فيهما كرمز للبلد الذي تعيش فيه أو للحلم الذي ترغب فيه المخرجة الجورجية أن ترى بلدها عليه .
0 التعليقات :
إرسال تعليق