كتب : خالد إبراهيم
التقييم : 4.5/5
بطولة : سوبريا تشودري ، آنيل تشاترجي
اخراج : ريتويك غاتاك (1960)
"بالنسبة له (هوليوود) ربما لم توجد مطلقاً"
- ساتياجت راي
كان غاتاك يشاهد فيلم وصول القطار للأخوين لومير لعدد لا نهائي من المرات ، يضحك كثيراً
لفكرة كيف أن الآلة (الكاميرا)
تنظر إلى آلة أخرى (القطار) ،
يفكر في الطريقة المثلى لجعل الإنسان ينظر إلى الإنسان عن طريق تلك الآلة ، عندما تنظر الفتاة نيتا مبتسمة بدلال إلى
الكاميرا ، أصبحنا واقعين في غرامها ومتورطين بشدة .
نيتا فتاة طيبة يستغلها الجميع ، القصة
التقليدية لأنها القصة الوحيدة التي حدثت وتظل تحدث ، أخ فنان يقابل باستهجان من
العائلة والمجتمع ، مثل بطل فيلم جورو دوت (ظمآن) ، أخت أنانية لعوب تغوي حبيب أختها ، أب
مدرس مثقف – يقتبس من ييتس و كيتس –
لكنه ضعيف الشخصية ، لاحقاً سيصير عجز الإرادة عجزاً جسدياً ، الأم لم تفهم الأب
يوماً ، قاسية لأنها أكثر الشخصيات التي ترى الحياة على حقيقتها وتُسمِّى الأمور بأسمائها
، فكانت قسوتها مرآة لقسوة الواقع .
عجز
الأب وقلة حيلة الأخ الأكبر يجعل الفتاة تترك تعليمها ، تعمل وتصبح العائلة
الوحيدة للأسرة ، الأخ يدرك أنه موهوب ، لكن ينقصه بعض التدريب ، و بالفعل لاحقاً
سيصبح مغني معروف ، لذا من الصعب اتهامه بالتكاسل ، الفيلم يعرض العلاقات الأخوية
المتباينة ، كيف لا تكون بنفس القوة بين الأشقاء ، كما يعرض الأب الذي يجد عمل ابنه
الأصغر في أحد المصانع منفراً ، كنموذج للفكر البرجوازي للطبقة المتوسطة التي تهوى
إلى الفقر .
الفيلم
يبدأ بالفتاة نيتا
التي يتلف سير صندلها ، وينتهي بفتاة أخرى يتلف سير صندلها كذلك ، مع الفقر والمرض
دورة الحياة والموت تستمر كما هي ، صرخة نيتا الشهيرة لأخيها عندما اشتد مرضها "أخي ، أريد أن أحيا" كانت غير متوقعة أو منتظرة حيث
نتوقع منها أن تموت في صمت ، بدون ضجة ، ممتثلة لمصيرها وتضحيتها ، لكنها لا تفعل .
"هل تعرفين الحقيقة ؟ المعيشة هي فن"
شخصية
الأب ترادف إلى حد بعيد شخصية المخرج ريتويك غاتاك نفسه ، شخص يبدو أنه يعرف كل شيء ، لكنه
لا يزال عاجزاً عن مساعدة الفتاة المسكينة التي يشعر بألمها ، غاتاك كذلك يبدو عاجزاً عن انقاذ الفتاة ، بعدما
اتضح حقيقة مرض نيتا هتف الأب – على غرار خطاب إيميل زولا –
"أنا أتهم"
، لكنه سرعان ما اردف "لا أحد".
الرجال
في الفيلم – متمثلين في الأب والأخ – متعاطفين مع الفتاة التي تُسرق حياتها ،
يشعران بالشفقة ويودان المساعدة ، لكنهما عاجزين عن الفعل ، بالإضافة إلى أسباب
أخرى كالضعف والجبن ، آخر أفلام غاتاك قام
بالدور الرئيس ، يمكننا ملاحظة التشابه بينه وبين الأب هنا ، مما يرجح إيحاءه
للممثل الذي لعب دور الأب طريقته الخاصة في التعبير .
الفيلم
انتاج وسيناريو وإخراج ريتويك غاتاك ،
كأول أفلام ثلاثيته الخاصة بتقسيم الهند ، الشيء الذي لم يتم ذكره في الفيلم مرة
واحدة ، كما لم يتم الإشارة إلى أن العائلة تسكن أحد مستعمرات اللاجئين ، غاتاك يحمل الكثير من الألم جراء تقسيم الهند ،
التقسيم الذي جعل من أفلامه "الهندية" ممنوعة من العرض داخل موطنه ،
"باكستان الشرقية"
وقتها .
يستخدم
غاتاك
السينما كأداة للوصول لأكبر عدد من المشاهدين ، "لو وجدت غيرها أكثر إنتشاراً
، لتركتها في سبيل أخرى" ، لكن الطريف أن أفلامه ليست بالشعبية التي
يتحدث عنها ، فهو فنان قدم رؤيته بدون تنازلات أو موازنات أو أي اعتبارات غير
شخصية ، كما يستخدم الرجل السينما كسلاح ، لذا كانت أفلامه قاسية وإن ظلت جميلة ، جمال
خام بدون تهذيب ، أفلام لا تحتمل رغد الراحة أو الاستجمام .
"السينما ليست شكلاً
فنياً بالنسبة لي ، هي وسيلة لأخدم قومي" – غاتاك
افتتاحية
الفيلم – التي من أعذب الافتتاحيات التي شاهدتها – بدأت بعرض شجرة ضخمة جميلة مع
ظهور الفتاة نيتا تدريجياً قادمة صوب الكاميرا ، بالتوازي مع آهات الأخ الغنائية
بدون موسيقى ، يتم القطع على كادر تكون فيه الأخت المبتسمة قريبة ، تتأمل الأخ
الشارد في غناءه ، بينما يمكننا رؤية النهر في منتصف الكادر ، والقطار يلوح في
الأفق .
غاتاك
يؤمن بأن الفيلم يتكون من لقطات متراصة بحرص كالجدار ، هذا إيمان بديهي من مخرج
يُقدِّس آيزنشتاين و بودوفكين ، الشجرة تكون رمز للحياة والتضحية ، كما يمكن كذلك
أن ترمز إلى الفتاة الطيبة ، الفتاة بدورها قد ترمز إلى الهند المقسمة نفسها ،
بينما القطارات – والتي كان لها حضوراً لافتاً – لم تتواجد بغرض جمالي وتهيئة
المزاج العام - كأفلام (أوزو) مثلاً - ولكن بغرض كسر الجمال القائم ، أصوات القطارات
تذكرنا بالرحيل والتقسيم .
الموسيقى
التصويرية كذلك كانت أحياناً مزعجة وغريبة ، مدمجة بأصوات سريالية لا أصل لها في
الكادر ، كما لجأت الصورة ذاتها لبعض سريالية ، الأصوات المزعجة مقصود أن تحقق
هدفها وتقوم بإزعاج المشاهد ، كاستخدام البرازيلي دوس سانتوس للصوت في
فيلمه Barren Lives ، الأغاني في الفيلم كانت بمثابة خلفيات
للمَشاهد والحالة النفسية للفتاة نيتا ، أغنية طاغور الحزينة للفتاة وأخيها كانت الوحيدة التي تم غنائها بصورة
لم تكن – من حيث الشكل – خلفية .
اللقطات
القريبة للوجوه كانت أكثر تعبيراً مع الموسيقى من الكلمات ، الكثير من الكلمات
كذلك لم تنطق ، ولم تستخدم ، الفيلم لا يعمد إلى الضغط على المشاعر ، وإن تحقق ذلك
بالفعل ، فالقصة إن كانت ميلودرامية ، التنفيذ لم يكن كذلك ، العديد من اللقطات
لوجه نيتا تم تصويرها من أسفل ، مما يجب أن يُذكرنا بـ(جان دارك) دراير ، ألم
الفتاة كذلك وتركها لفترة طويلة في العذاب والوحدة قد يُذكِّر بقديسات دراير ، مسحوقات
ميزوجوتشي ، ضحايا فون ترايير ، زوايا التصوير في المجمل كانت مميزة للغاية ،
الصور والتكوينات مرسومة بعناية فائقة ، كنظر الفتاة من نافذتها التي تشبه نافذة
سجن ، وانعكاس ضوء النجم في الماء ، النجم الذي لم نره مباشرة قط خلال الفيلم .
"صناع الأفلام مثلنا
سيُكن لهم الجمهور بعض الامتنان ، عندما يدرك أننا محاطين بسياج، بل نحن سياج في
الحقيقة ، الأكثر شؤماً ربما" - غاتاك
0 التعليقات :
إرسال تعليق