كتب : فراس محمد
التقييم : 4/5
بطولة : ليوناردو ديكابريو ، جوناه
هيل
إخراج : مارتن سكورسيزي (2013)
ليدخل سكورسيزي وول ستريت كان أماه طريقين , إما الطريق الذي سبق ان سلكه أوليفر ستون
في ثنائيته عن وول ستريت ، أو الطريق الذي يملأ الفراغ الذي تركه اوليفر ستون في
الثنائية ، وهي الطريقة التي يقوم بها المال بتحويل طالبيه في هذا المكان تحديداً
و للحدود التي من الممكن ان يصلوا لها وهو شيء قام به سابقاً سكورسيزي عدة
مرات (تأثير خصوصية المكان الاخلاقية على الشخصية) ، المكان الذي يصبح فيه كسر القوانين وخرقها
فناً قائماً بذاته ، والشخصيات التي يقتصر اهتمامها على التنبؤ بمستقبل ما تحويه
جيوبهم , وجيوب عملائهم , المستقبل والحاضر والغاية والوسيلة والنتيجة كلها متعلقة
بفكرة الحصول على المزيد ، سكورسيزي عندما دخل مكاتب شركات السمسرة كان يرغب في تصوير
التغيير الذي طرأ على بعض المفاهيم ، كالطمع والطموح والارادة والربح والخسارة
والجنة والجحيم ، حتى المال يصبح له صيغة
مختلفة .
وول ستريت محيط لا يمكن ان يحوي الكثير من النماذج ، لان سحر هذا
المكان يمكن التنبؤ بآثاره ولذلك نماذجه متشابهة ، الفرق بين شخصية واخرى هو
نجاحها المادي وسرعة تحقيق الثراء ، لذلك طريقة السرد وبناء الشخصية الذي اتبعه سكورسيزي لم
يخرج عن هذا المجال ، ثنائية (طموح الثراء – الخوف من الانهيار) كما هي العادة عند
الحديث عن الحلم الاميركي سلباً او ايجاباً ، كما فلم اوليفر ستون الذي
تعامل مع مشاهديه على طريقة واحد زائد واحد يساوي اثنين باعتباره رجل مولع
بالسياسة , ولديه اسلوبه المباشر في الضرب من تحت الحزام , و التغلغل في قلب هذه المنظومة
الاخلاقية الجديدة والتأقلم معها , لكن سكورسيزي ابتعد عن تقديم كل تلك المعادلات واكتفى بتصوير
لوغاريتمات الحياة التي اساسها وول ستريت ، كان يرغب في تصوير فكرة عدم وجود حدود لما يمكن ان
يحصل داخل هذه المنظومة من خلال تصويرها من الخارج ، اهتمامه بتصوير مفعول سحر
المال عليهم ما كان ليبدو بهذه الحيوية وهذا الجنون لو لم يكن من الخارج حتى ولو
اضطره الامر للتضحية بطريقته في تصوير شخصياته واستبدلها بشخصيات كاريكاتورية من أقل
شخصياته لأكثرها ظهوراً على طريقة سينما تارانتينو وهذا وفر عليه الكثير من العمل عليها وتطورها ،
فموضوع الثراء والافلاس في وول ستريت سهل للدرجة الذي لا يجب ان يؤخذ على محمل الجد ، او
أنه جدي لدرجة الهزل .
الاحساس المسيطر على الفلم هو الاحساس بقيمة اللحظة الحاضرة وأن كل
شيء معرض للانهيار بمجرد سقوط سهم أو ارتفاعه لذلك فالتمتع بإنجاز اللحظة خلق هذه
الشخصية المادية البحتة (جوردن) التي ترغب في استغلال اقصى ما تحمله اللحظة من متعة
طالما ان السهم بارتفاع , هنا شخصية بدأت تتحول وتيرة حياتها لبورصة معرضة
للانخفاض والارتفاع ، التهديد المستمر بالتراجع في هذا العالم المالي الغير مستقر
يبرر استخدام اقصى ما يمكن من المخدرات والجنس والمال , باعتبار ان كل شيء مؤقت
ومن السهل العودة للصفر , حلم وول ستريت الذي انتج هذه النوعية من محدثي النعمة كما يقال ,
حياتهم تتمحور حول كل ما كانوا يحلمون به وما كانوا محرومين منه ولهذا السبب وضع سكورسيزي
مقاربة بسيطة بين شخصية جوردن ومحقق الاف بي آي في الثلث الاخير من الفلم ، جوردن شخص خاسر دخل
السجن ، يمارس فيه التنس , وجد فيه سوق جديد , (هذا المكان يمكن أن بياع فيه اي
شيء) ، بينما الآخر (الشخصية التي عادة يصورها سكورسيزي بشكل
مختلف ولكن ذئبه هنا يختلف عن كل ما قدمه
من شخصيات , كل ما حوله خراف عندما يتعلق الامر بخرق القانون ، شخصية مسؤول الاف
بي آي هذه المرة كانت تمثل القانون بمعنى اسلوب اخلاقي مختلف عما يمثله الذئب) بعد
تحقيقه الانتصار , عاد بباص مهترئ ليكمل حياته متوسطة المستوى ، إن نجح سكورسيزي
بشيء في هذا الفلم فهو قدرته على فصل مناخ وول ستريت وذئبه عن كل العوالم الاخرى
وتقديم هذا العالم تحت عنوان الحلم الاميركي جعله حلماً فعلاً من الممكن التخلي عن
اي شيء للحاق به , واعتقد ان شخصية دوني كان هدفها في الفلم ايصال هذه الفكرة لا
أكثر
قيمة هذا الفلم في مشاهدته بسطحية وبخفة شخصياته , الرجل الذي كان
يقدم افلاماً قبل اربعين عاما وصفها ترانتينو بأنها افضل افلام لدراسة الشخصية , لم يرغب هنا في
التركيز عليها بالشكل الذي يبعد وول ستريت عن الواجهة حيث لا يمكن مشاهدته والفصل فيه ما بين وول ستريت وذئبها
وسيارته البيضاء الفخمة وجسد ناومي المثير والمخدرات واليخت وسويسرا والرقم صفر ، نقطة
البداية ونقطة الانهيار , نقطة التقاء الحلم مع الكابوس ، وهو برأيي شكل آخر من
الحياة الحديثة التي قدمتها صوفيا كوبولا في فلميها الاخيرين , هوليوود ، وول ستريت ,
ما يميزهما انهما يصنعان شخصيات بلا حدود , وإعادة صياغة مفهوم الحلم , وكلاهما
اختصار لما تمثله اميريكا .
مشاكلي مع الفلم كثيرة ، كطول الفلم ومقدار التكرار الغير مبرر في
المواقف , وفي ختامه المبتور بشكل غير مفهوم والتي اظهرت تبايناً كبيراً مع الفلم
, ولكن افضل ما فيه هو قدرة سكورسيزي على ابقاء الرتم مرتفعاً رغم مدة الفلم الطويلة ,
اعتقد ان ما ساعده على ذلك هو العقلية المختلفة التي قدم بها هذا الفلم ,
والمونتاج الذي ساعد ايضاً في رفع هذا الرتم رغم انه ساعد ايضاً في تبهير
الاستعراض الواضح فيه ، مع ذلك يبدو ان متعة هذا الفلم اسهل في الوصول من اي فلم
آخر لسكورسيزي .
0 التعليقات :
إرسال تعليق