كتب : خالد إبراهيم
التقييم : 4/5
بطولة : نرجس ، سونيل دوت ،
راجندرا كومار
اخراج : محبوب خان (1957)
"كل أفلام الهند جاءت
من (أمنا الهند)" - جاويد اختر
الفيلم
يبدأ بشعار الشركة المنتجة (المطرقة والمنجل) ، اللقطة الافتتاحية تكون للأم وهي تقبل
الطين ، تضع رقعة الأرض الصغيرة فوق رأسها ، مع وضع اسم الفيلم في الاعتبار يكون
لدينا فكرة لا بأس بها عما نحن بصدده ، نجد في الفيلم تصدير لفكرة الشر مقابل
الخير ، تقديم الأفكار يتم بطريقة طيبة محببة ، لكن أحياناً يتمنى المرء لو كان
المخرج أكثر خبثاً.
القرية
الصغيرة التي تدور بها أحداث الفيلم تُكوِّن (هند) صغيرة ، كذلك
شخصية الأم ، الأم التي أصبحت الهند نفسها ، وكل أم هندية ، المرأة التي أصبحت
قوية ومستقلة عن الرجل ، في أحد المشاهد نرى الأم تجر المحراث بزاوية تصوير تود أن
تقول لنا "انظروا إنها تحمل صليبها" ، لقطة مباشرة ، لكنها عفوية
صادقة .
شعار
الشركة – شديد الشيوعية – تم حذفه أثناء عرض الفيلم في مسابقة الأوسكار ، يمكن
تفهم الأمر خصوصاً خلال سياق جنون الشك في أمريكا في ذلك الوقت ، كما تم تهذيب
الفيلم وتقليمه ليصبح ساعتان فقط من أصل ثلاثة ، الفيلم كان أول فيلم هندي يترشح
للأوسكار ، لم يحصل على الجائزة ، حصل عليها فيلم فيلليني Nights of Caberia
، الأمر الذي احزن مخرج الفيلم محبوب خان لأنه كان
يعتقد أن فيلمه يتفوق كثيراً على باقي الأفلام .
الفيلم
– صاحب أكثر تكلفة لفيلم هندي وأكثر إيرادات حينها – كان المقصود منه الرد على الإساءة
التي وجهها كتاب الأمريكية كاثرين مايو ، والذي حمل نفس اسم الفيلم ، حيث كان الكتاب يحمل
الكثير من التحيز ضد الحضارة والثقافة الهندية، بالإضافة إلى الإساءة للرجل
والمرأة الهندية ، محبوب خان اختار نفس اسم الكتاب لإعادة فيلمه الذي انجزه في
الأربعينات ، مستلهماً رواية بيرل بك العظيمة (الأرض الطيبة) ، والحضور القوي للمرأة في فيلم (الأم) لـ(بودوفكين) ،
بالإضافة إلى تأثر كبير بالإخراج السوفييتي ، من حيث المونتاج والتصوير .
الأرض
الطيبة – التي قبَّلتها الأم في أول لقطات الفيلم وتم رويها بالدم قرب النهاية –
لم تكن هي المحرك الرئيسي للفيلم ، وإن ظلت طوال الوقت تلوح في الأفق ، الفيلم عرض
تفاصيل الحياة الزراعية ، وحرص على تصوير التطور الذي حدث ، كيف تم استبدال
الإنسان والحيوان بالآلة ، رغم أنه كان حريصاً على التقاليد إلى أن الفيلم أكّد
على أن الحل في العلم ، وليس في السماء ، كالجدة التي تقول لابنها ساخرة "اطلب من ربك ثور آخر ،
عوضاً عن الثور الميت" ، لكن الفيلم أيضاً لم ينبذ الدين ، فلاحقاً
سنرى رجوع الإيمان للأم كان السبب في صمودها .
بغض
النظر عن مدى قومية الفيلم ، إلا أن النجاح النقدي والجماهيري جعل الفيلم شديد
الأهمية بالنسبة للسينما الهندية البوليودية ، حيث كان المثال والقدوة ، بوضعه
المعايير التي يجب على الفيلم الهندي أن يحظى بها ، الوصفة المثالية لصنع الملحمة
الميلوردامية الهندية ، التي منذ ذلك اليوم لم تتوقف ، وإن كانت أقل جودة بالطبع .
المواقف
الكوميدية الطريفة المدمجة حتى لا يكون المزاج العام للفيلم شديد السواد ، هذا
الأمر بالإضافة إلى الأغاني الكثيرة ، أعتقد أنها من أهم أسباب تنفير المشاهد الذي
لم يعتاد السينما الهندية والميلودرما الخاصة بهم ، الأغاني الكثيرة – من جهة أخرى
– كانت الشيء المفيد – والوحيد – الذي يمكن تقديمه لفقراء الهند ، ليس الأفكار ،
ليس الإلهام .
الفيلم
به تمثيل جيد كذلك ، موسيقى مناسبة تجمع ما بين الطابع الشرقي والغربي ، بالرغم من
حرص المخرج على التصوير داخل القرى ، إلا أن العديد من المَشاهد الداخلية تم
تصويرها في الاستوديو ، التصوير الداخلي المزيف أعتقد أنه حقق ضرر ملحوظ بتلقائية
وطبيعية الفيلم ، التصوير كان بتقنية Technicolor
ذات الألوان البدائية البديعة ، اللقطات الأجمل كانت وقت الاحتفال بمهرجان الألوان
، اللون الأحمر كذلك كان له حضور قوي طوال الفيلم .
لا
أعتقد أن الأدق بالنسبة لرمزية اللون الأحمر أن يكون دموية مفرطة خلال فترة
الاستعمار البريطاني للهند ، لكن يرمز للنزيف البطيء الحاصل ، الهند – التي حصلت
على استقلالها – موجودة كأم وأرض ، أم كانت الوحيدة التي لم ترحل عن القرية التي
اغرقتها السيول ، وأرض مغتصب خيرها عن طريق دائن جشع ، الاستعمار كذلك موجود بصورة
هذا الدائن – الوحيد الذي لديه العلم بالقراءة – المغتصب للأرض بدافع دين وهمي تم
تسديده منذ سنوات ، ثنائية المعرفة والجهل كانت تشبيه واضح لفترة الاستعمار ،
فيكون المُستعمِر صاحب المعرفة الكافية لنهب ثروات المُستعمَر الجاهل .
الأم
لم تتخل عن شرفها قط ، حين راودها الدائن رفضت وقامت بضربه ، كذلك لم تتخل عن
شرفها لابنها نفسه ، حيث لم تسمح للابن بخطف بنت الدائن ، ترى الأم أن شرف البنت
هو شرف القرية كلها ، بينما يرى الابن انتزاع الحق أهم من تقاليد أوصلتهم للعبودية
، لا ينحاز الفيلم لأي من الطرفين ، وإن انتصر أحدهما على الآخر ، لكن المهزوم
أحدث التغيير الضروري والحتمي .
النقاد
ذهبوا بالعلاقة بين الأم والابن إلى الحد "الأوديبي" منها ،
إن كان هذا به بعض صحة فالمخرج لا يتحمل المسئولية ، وقد حاول – قدر استطاعته –
تجاوز الأمر ، خلال مشهد حريق القش تخرج الأمور عن السيطرة ، تعلق (نرجس) –
الممثلة التي تقوم بدور الأم – داخل الحريق ، ينقذها الممثل الذي يلعب دور الابن –
والذي يصغرها بعام واحد – تبدأ قصة حب تنتهي بالزواج ، الزواج الذي أصر محبوب خان أن
يكون بعد الفيلم وليس خلاله ، دور الأم في هذا الفيلم كان بمثابة دور فيتو كورليوني
في فيلم The Godfather ، دور يحتاج ممثل ذكي صاحب حضور قوي ، و يضمن
مكانة مرموقة لصاحبه ، يمكننا القول أن الممثلة نرجس قامت بما يلزم .
0 التعليقات :
إرسال تعليق