كتب : مصطفى فلاح
التقييم : 4/5
بطولة : ديفيد أويلوو ، كارمن إيجوغو ، تيم روث
إخراج : آفا دوفرناي (2014)
لا يوجد في 2014 فلم
يتكلم حدث تاريخي و يروي في جزئيته سيرة ذاتية بشكل مُتكامل و واثق جداً من
مُفرداته كما يقوم به العمل السينمائي الثاني للمُخرجة آفا دوفرناي ؛ هذا
الفلم يعرف من أين يبدأ , كيف ينتهي , و ماذا يتوجب عليه خلال ذلك لتعزيز فكرة , إثارة
تأمل , و استدرار تعاطف جميع من يشاهده دون إدعاء ؛ الفلم يتناول قصة الحملة
الشهيرة التي قادها الدكتور مارتن لوثر كنغ خلال الأشهر القليلة من مُنتصف ستينية القرن
الماضي للمُطالبة بحق التصويت المتساوي بين السود و البيض من موقع أنطلاقها في سيلما
و تحقيق أحدى أهم مُنجزات حركة الحقوق المدينة في ذلك الوقت .
في سبر غور هذا
التاريخ فإن ما يأسر النفس ليس برد تلك البغضاء التي يحملها العرق الأبيض تجاه
نظيره و يُحرمه حق (حُريته) الأبسط في استحقاق فطري لها , بل هو ذلك الإيمان
الجياش الذي استلهمه كنغ في جعل استردادها واجباً على الطرفين , و الطريقة الذكية
التي جعل بها من ثورته (الآمنة) هذه مثالاً لاسترجاع حق أكبر ، إيمان رائع يتجلى بشغف
الحديث ، بالكلمات المُختارة للتعبير عن النفس , الذات , و الذاكرة .
و هنا تنجح كاتبة
الفلم و مُخرجته في صنع قدر أعلى من المُعالجة الروائية يُمكن أن تتساوى مع تلك
الغير روائية القائمة على حقائق مُسجلّة و موثّقة , بل تعمد الى ابتلاع قدر من
الوقائع التي قد تبدو مُبتذلة عند الإكثار منها لتخلق حالة شغف تأسر كُل من
يشاهدها و تُجبر من لا يهمه الأمر على الانصياع مع درجة عمقها و أسلوبية طرحها ,
التوحد مع فكر الشخصيات التي عايشتها , و أخيراً تسجيل واقع لم تخلقه أو تختلقه ,
فقط تحدثت عنه بوعي سياسي و جمالي حقيقي ليتنا نمتلكه يوماً .
إضافة للتلقائية
الشديدة التي يفرضها طاقم التمثيل - لا أعرف إن كانت براعة أدائهم تعود الى قدرتهم
على الارتجال أم الى البروفات المُتقنة التي لم تترك للصدفة شيئاً , أعتمدت دوفرناي على
ميزان شديد الدقة بين حركة الكاميرا و إدارة هذه المجاميع جاعلة من لقطات المسير
السلمي التي يتحدث عنها العمل صورة طبق الأصل مما سنشاهده في الشريط الوثائقي
القصير الذي اختتمته به ؛ نحن لا نشعر بوجودها كـ (مُتفرج) بعيد و أنما
كـ (شريك) يضع يده بيدهم , و لا نعود ندري إذا ما كانت تلك اللقطة (واقعية) أم (نسخة) مصورة
من ذلك الواقع , و هذا كاف لإعطائنا حق امتياز صنع موقف من كُل ما يجري , و بأن (نكتشف) ما هو
(مُخبأ) على رصيف الأميال الطويلة هذه .
و بالرغم من تقديري
الشديد لقيمة العمل بُمجمله , فأن أبرز ما قد يضعه في مرتبة أعلى عن سواه من أفلام
ذات تيمة مُشابهة هو قدرته الفعّالة في ربط المُشاهد بالحدث ضمن زمنه و بيئته ,
بأن يُشاركنا أهدافه بدلاً من أن يُملي علينا سُبل تحقيقها , و أن يتواصل معنا في
كُل تفصيل صادر أو تعديل وارد على وجهته ؛ ضغط كبير أجاد صُناع هذا الفلم تحويله
لطاقةٍ أيجابية في (توثيق) عمل سيُخلد للأسباب العديدة هذه .
0 التعليقات :
إرسال تعليق