كتبت
: فاطمة توفيق
التقييم : 4/5
بطولة :
جيك جيلنهال ، رينيه روسو
إخراج : دان
غيلروي (2014)
هذا الفيلم مريض ، و وصفه
هكذا لا يقلل من شأنه ، بل بالعكس هو هكذا حقق المُراد منه تماماً .
(نايت كروولر) أو الزاحف الليلي هو اسم مهنة يقوم صاحبها بالتسلل إلى مواقع الجريمة حتى يقوم بتصوير لقطات قريبة منها ، من الجثث والدم والخسائر ، ثم يقوم ببيعها إلى القنوات لتبثها حصرياً وتحقق من خلالها ارتفاع في نسب المشاهدة كلما كانت اللقطات أقرب و أبشع وأعنف .
لدينا هنا في الفيلم مثلث يقوم عليه هذا المرض الذي يقدمه الفيلم ، ضلعه الأول هم
بشر يحتاجون لهذه المهنة ويحترفونها كسبيل لتحقيق المال والمعيشة منها في مجتمع لم
يوفر فرص غيرها للحصول على المال ، هؤلاء متمثلون في لوي بلوم وغيره ممن يصادفهم
من مصورين في مواقع الجريمة ، ولدينا الضلع الثاني هو إعلام مريض متمثل في القنوات
المتنافسة للحصول على تلك الفيديوهات ومُرَكّز بشكل أكبر في شخصية نينا التي قامت بآداء
دورها رينيه روسو ، والضلع الثالث لا نشاهده في الفيلم ولكن كل شيء يقوم عليه ، فبغيابه
لا معنى لوجود الضلعين الأولين ، هذا الضلع الأخير هو المجتمع المريض المتلقي لمثل
هذه الأخبار والذي يعد هو المحرك والسبب الأول لنجاح مثل هذه القنوات ، والذي إن
استغنى عنها أو رفضها لن يكون لأي من تلك الأخبار أية قيمة.
في البداية وجدت أن الفيلم يعيب نفسه أو بمعنى أصح يناقض نفسه ، فتقديم شخصية لوي على أنها مختلة أو مريضة كما ظهرت يناقض انتقاد الفيلم لصناع الإعلام ، فوجود مثل هذا الاختلال أو المرض في الشخصية يقلل من تحملها أوزار ما تفعله ، بينما في الواقع المسؤولون عن الإعلام بكل انحرافاته هما أشخاص عاديون في الغالب هم ليسوا بمرضى ولا مختلين ، وهذا يحمّلهم أوزارهم كاملة لأنهم بوعي كامل منهم فضّلوا التسويق لقنواتهم وزيادة إيراداتهم بدون مراعاة لأي قيم أو أخلاق ، هم أقرب لشخصية نينا في الفيلم والتي وجدتُها تُعادِل من هذا التناقض ، ثم مع تقدم الأحداث في الفيلم وجدت أن دان جيلروي كاتب الفيلم ومخرجه يريد الوصول بالفيلم والأحداث إلى منتهى التطرف ، التطرف الذي سيزيد من حدته وجود شخص وصولي انتهازي ذو شخصية مختلة ظلامية كـ (لوي) ، بل ربما يوجه جيلروي الاتهام بشكل واضح صريح لصناع الإعلام من خلال لوي بأنهم مجرد مرضى انتهازيون في الأساس ، وهذا كان واضحاً طوال الفيلم وتجلى أكثر حينما عبّر لوي عن أحلامه في أن يمتلك محطة تليفزيونية خاصة به في يوم من الأيام ، وعلى أية حال ، هذا الاختلال في شخصية لوي كان خير فرصة للممثل جاك جالينهال في أن يؤدي دور عمره ، فعلى الرغم من الأدوار الكثيرة التي اشتهر بها إلا أنه في الفيلم هنا قدّم ما لم يقدمه من قبل ، تطور مذهل في آدائه بصورة متقنة وبارعة ومخيفة كما يجب على الشخصية أن تكون.
أيضاً آداءات رينيه روسو و ريز أحمد كانت في محلها ومستوفية لما تتطلبه الشخصية ، تصوير الفيلم كان حجر أساس مهم فيما قدمه ، الظلام والزوايا الضيقة أثناء وقوع الأحداث ومواجهة الشخصيات لبعضها بينما الكادرات الواسعة للمدينة بين مشهد وآخر وفي بداية كل يوم ونهايته وكأنه يقول أن هذا يحدث كل يوم وأنا هذه المدينة / المجتمع / البلد قائم على ذلك في الأساس.
يُنهي جيلروي فيلمه - وهو الأول له كتجربة إخرجية – بـ (لوي) يردد كلمات وخُطب كتلك الموجودة في محاضرات التنمية البشرية ليشجع موظفيه ثم تنطلق سيارات شركته الصغيرة تنتشر في أنحاء المدينة وكأن هذا المرض الذي يمثله لا ينتهي بل يتوغل وتزداد حدته ، بينما يسيطر ظلام الليل على المدينة في الخلفية .
0 التعليقات :
إرسال تعليق