كتب : فراس محمد
التقييم : 4.5/5
بطولة : آرنو فريش ، أولريش ميوه
إخراج : ميكائل هانكه (1992)
(من نفس الباب الذي خرج منه بيني بريئاً , دخل والديه مذنبان)
هذا الفلم هو ثاني ثلاثية الجليد التي قدمها المخرج النمساوي ميشيل هانكة
آواخر الثمانينات ومطلع التسعينات , هذا الفلم يختلف كل الاختلاف عن جزءها الاول The Seventh
Continent من حيث الهدف ولكنهما يتقاسمان بالعنوان – الجليد – فكلاهما يرصد
البرودة في مشاعر شخصياته تجاه الحدث الرئيسي في الفلم أو بنتيجته , كما يتشاركان
بأسلوب المعالجة , يبدأ هانكة فلمه هذا بمشهد عادة ما يكون في افلامه الاخرى نتيجة ,
لكن مشهد قتل الخنزير الافتتاحي كان احد الاسباب وليس أحد النتائج , وهذا ما اعطى
للفلم دفعة كبيرة في سبيل رصد شخصيته – بيني – الصبي الذي يصور هانكة مدى
الاثر الذي تركه التلفاز على سلوكه , الفلم ككل افلام هانكة هو دراسة
سلوكية , ولكن الدراسة اتخذت في هذا الفلم اتجاه اكثر ايجابية رغم كم العنف الكبير
الذي ظهر فيه , وبالرغم من تعدد شخصيات الفلم ومحاوره إلا انها تقف من فكرة الفلم
بالمجمل في صف واحد , وهو عامل التأثر بالعنف في حياة هذه الاسرة التي سمحت لكل ما
يعرضه التلفاز للدخول لحياتها لدرجة اصبح عامل التأقلم مع العنف هو المسيطر على
سلوكياتها .
الاسرة ظلت في هامش التأثر حتى خاضت تجربة العنف بشكل واقعي ملموس
وليس خلف زجاج التلفاز , ولكن ردة الفعل كانت باردة , ديناميكية , وغير عابئة
بالناحية الانسانية التي من الممكن ان يجرحها عنف قاسي من هذا النوع , عامل دخول
العنف للأسرة التي فيه اسقاط كبير على مجتمع سمح للتلفاز وما يعرضه ان يكون جزءا
من روتين الحياة كان عامل الحسم في الفلم , هانكة رصد افراد هذه
العائلة وخاصة بيني كطفل كان لابد على هانكة ان يرصده بدرجة اكبر لأن الاثر الذي يخلفه لديه اكبر
واكثر عمقاً , رصدهم يشاهدون الاخبار , اخبار الحروب , دون أي تأثر أو رد فعل على
وحشيتها , بيني يستأجر افلام رعب وعنف ويشاهده وهو مستلقي في سريره رغم كم المشاهد
العنيفة التي تعرضها .
ولكن هانكة ليس في موقع وضع اللوم أو اصبع الاتهام , هذه النوعية من
افلام دراسة السلوك عادة ما تلجأ للحديث عن الجذور , كما الحب , كما العنف , كما
الحرب , هذه مواضيع هانكة الاساسية التي كانت خلفية لكل احداث افلامه منذ اواخر
الثمانينات , وهذا ما جعل كل شخصياته في هذا الفلم ضحايا , الفتاة التي قتلت بدم
بارد هي ضحية عنف مارسه بيني , وبيني هو ضحية اهمال والديه , والوالدين هما ضحية
السماح لنوع معين من الممارسات والثقافات العنفية للدخول لمنزلهما .
جزء كبير من فلم هانكة هذا تم تصويره في مصر , في اكثر احياءها فقراً حيث تجسد
العنف بهذا الشكل , بيني وجد فرصة في رصد اشد اشكال العنف , في اشارة يعطيها هانكة عبر
بيني , بأن العنف ليس فقط عنف تلفزيوني مفتعل , هناك عنف من نوعية اخرى يُعاش في
كل لحظة لدرجة اصبح اسلوب حياة , هانكة كان يزاوج بين مشاهد الفندق الفاره في احد منتجعات على
الشاطئ المصري وبين احياء مصر الفقيرة , يريد ان يقول ان معالجة العنف ليس بمنعه
من دخول البيوت وعدم ممارسته أو التأقلم معه , بل بالإحساس به , وبصدمته التي تعطي
الأثر الكافي الذي يجعل امر معالجته ضرورة انسانية , دون هذا سيصبح العنف روتين ,
ويتحول لعادة .
0 التعليقات :
إرسال تعليق