كتب : مصطفى فلاح
التقييم : 4/5
بطولة : أوسكار إيزاك ، جيسيكا
تشاستين
إخراج : جي سي شاندور (2014)
كُل شيء في فلم جي سي شاندور الثالث يوحي بأننا في حضرة بعض أفضل أفلام
الجريمة السبعينية و بين يديّ أفضل صانعيها , فهو يُقدم سينما أمريكية تقرأ بين
السطور , بطلها يتوارى في خلفية حدث يصقل شخصه الذي سيكون عليه , و حدثها يتم
التعبير عنه بشكل رمزي خافت في ظل حقبة ستقوم بصنعه ! ، المُخرج الأمريكي المُهم
يكشف عن جرأة قليلة المثيل في تقديم سينما لا تنتمي لزمنها كما هي , ينهل من خبرات
أفضل من قدمها فيها - كوبولا و لوميت - دون أن نلحظ اشارة واضحة أليهم , و يُجبرنا على
مُعايشة (أزمة) دون أن يتحدث عنها , (خطر) عديم الوجه يظل
جاثماً على الحبكة طوال الوقت , و (أمل) موجود و غير موجود , أو الأفضل
- كما يوحي الفلم - ألاّ يكون موجوداً حتى نشعر بمأساوية الأمور كما
نراها على الشاشة .
هذا الفلم يُعطي صانعه فرصة التعبير مرة ثانية عن الوجه الآخر للاوعي
الأمريكي في صُنع الذات , يعرض الصورة الحقيقية للسلطة المُتنازع عليها و النجاح
المرهون بصراع مثير للرعب ؛ فقط أن شاندر - و بعد ثلاث سنوات على رؤيته الأستثنائية لعالم المال و
صلاحية تحصيله في شارعه الأكثر أزدحاماً بالتحديات في Margin Call - يكتفي بعرض وجهة نظر واحدة
فقط عن إحدى سمات الشخصية الأمريكية , على المستوى الفردي و الجماعي ، الاقتصادي و
الاجتماعي , السياسي و الأخلاقي , هي أكثر هيمنة و امتداداً من سابقه : رأي رجل
الأعمال الذي أصبح يُعاني من (أزمة) وجودية في ظل وجود (خطر) الطموح المُحدق
بعمله و عائلته معاً ، شاندر , من بين قليل , يملك تلك القدرة التي يدعم فيها عمله الإخراجي
النص الذي كتبه للشاشة بشكل كبير ، و كما هو عليه الحال في عمليه السابقين , يتميز
في تشريح بارانويا الشخص المُطارد من قبل ماضيه , المُحاصر في حاضره , و المُراهن
على المُجازفة في سبيل صنع مُستقبل أفضل .
هذا ليس فلم (عنيف) - كما قد يوحي عنوانه
- بل هو عن سبر (العنف) , مولّداته المُثيرة للجدل و نتائجه غير مأمونة العاقبة
, عن ذلك الفعل الأعمى المُستتر تحت جلد كُل واحد منا و مُفاجأة ظهوره التي قد
تُعمي الجميع ؛ ضمن منظومة الشخصيات التي يُقدمها شاندر تتبلور هذه
الفكرة و تدرك مغزاها بشكل كامل , و ضمن الأسلوب المُتأني في التغلغل بين أوصالها ,
يُقدم المُخرج شخصيتيه الأكثر أثراً حتى اليوم : (جيسيكا تشاستين) في تجسيد
مُعاصر لصورة الليدي ماكبث ببرودة الدم الذي يجري في عروقها و العقل الماكر الذي
صنعه لها ماضيها , و (أوسكار أيزاك) في دور الزوج الذي لن يخرج من قفص المُقاربة
العادلة مع مايكل كورليوني , فقط أن عرّاب الأول هو شيطانه الذي لم يظهر
بعد !
بالنسبة لشريط يحترق ببطء و يُزيد حرقة مُشاهديه لمعرفة الحدث التالي ,
هذا سيناريو مضبوط الإيقاع , مصنوع بدقة هندسية في رسم شخصياته , مُباشر في كتابة
حواراته , و موفق في تأليفها معاً ضمن إطار بصري أخاذ و مشاهد كامنة القوة ترفع برادفورد يونغ
, مُدير التصوير , عدة مراتب عن أقرانه الذين حملوا الكاميرا مؤخراً و تضع جي سي شاندر كأحد
أهم السينمائيين الأمريكيين منذ بدء الألفية .
0 التعليقات :
إرسال تعليق