كتب : خالد إبراهيم
التقييم
: 4.5/5
بطولة
: وودي آلان ، ميا فارو
إخراج
: وودي آلان (1983)
"عمري 12 سنة ، أذهب إلى حاخام أسأله عن معنى الحياة ، يخبرني معنى
الحياة ، لكنه يخبرني أياه بالعبرية ، أنا لا أفهم العبرية ، يريد الحاخام ستمائة
دولار من أجل أن يعلمني العبرية"
يستحضر وودي آلان نسخته الخاصة لفترة العشرينات والثلاثينات ، يعمل على تأصيل الطابع
الوثائقي لفيلمه بالأخبار واللقطات الأرشيفية من تلك الفترة ، مستعرضاً السينما
والموسيقى والتصوير الفوتوغرافي في ذلك الوقت ، بالطبع الفيلم ليس وثائقي بالمرة ،
لكنه فيلم كوميدي ساخر على هيئة فيلم وثائقي ، حيث يسخر آلان – بكثير من الحب
والشغف – من مظاهر العصر السياسية والاجتماعية والثقافية ، وبالأخص من وسائل
الإعلام التي تصنع الزخم حول الشخص ثم تأكله.
آلان زرع نفسه داخل لقطات أرشيفية مع نجوم العصر وشخصياته العامة
والسياسية ، من الممتع حقاً أن نرى آلان مع شابلن أو مع الجميلة كارول لومبارد ، مع رجل عصابات مثل
آل كابون ، مع يوجين أونيل ، وبالتأكيد المتعة تصبح مضمونة عندما نراه خلف هتلر نفسه .
(زيليج) حرباء بشرية ، شخص لديه القدرة على التلوّن والتشكّل حتى يصبح مشابه
لصاحب أقرب شخصية قوية ، "الكوكلوكس كلان رأت (زيليج) كيهودي ، كما أنه يستطيع تحويل نفسه إلى أسود وهندي ، مما يُشكّل
مصدر تهديد ثلاثي" ، أزمة فقدان الهوية ليست القضية التي يمكن أن تُثير آلان ، لكن ما يُعبِّر
عنه من خلال زيليج : الرغبة في الاختلاط والاندماج ، القبول المجتمعي الذي يرفض المختلف
، الأزمة التي لازمت آلان خلال النصف الأول – الأغنى والأجمل – من مجمل أعماله ، "من الأمان أن تكون
كالآخرين".
محاولات زيليج للإندماج تلقائية ، دون سعي ملحوظ ، يهرب من نفسه طالما
الهروب من البشر أكثر صعوبة ، لسنوات طويلة يتحول ويتبدل ، كل شيء بدأ – بالطبع –
منذ الطفولة ، عندما شعر بالإحراج وسط زملائه لأنه لم يقرأ رواية (موبي ديك) ، "أردت أن أكون محبوباً" ، هذه مشكلة
إنسانية مهمة يعالجها آلان بالخبث المتوقع منه ، محاولات زيليج للإندماج تدوم
قليلاً ثم يعود من جديد وحيداً ، يعود إلى الحالة التي بسببها قد تحول إلى حرباء
بشرية ، هذا كان بمثابة جرعة المرارة الحلوة التي من الصعب أن يخلو منها فيلم لـ(وودي آلان) ، مضيفاً بعض الحميمية
مع المشاهد ، الأمر الذي يجعل هذا الفيلم عظيماً بحق ، آلان كانت له محاولة سابقة
مع الوثائقي الكاذب / الساخر في Take the Money and Run ،
محاولة قد تكون أكثر ظرفاً لكن تظل أقل عمقاً ونضجاً .
"قدتُ الطائرة رغم أني لم أقد طائرة من قبل ، هذا يبين بالتحديد ما
يمكنك القيام به إن كنت مضطرب عقلياً" .
آلان لم يسعى إلى تفسير شخصية زيليج ، وإن أعطى بعض
التفاصيل ليس بغرض التفسير ، وإنما لإنها تُنتج كوميديا مدوية لم يستطع مقاومتها ،
أحياناً يكون هذا هو الشيء الأكثر أهمية لدى آلان ، فهو سيقول في
الفيلم الواحد كل ما يمكنه قوله وكل النكات والسخرية الممكنة بغض النظر عن أي
اعتبارات ، إن لم تكن ممكنة ، سيجعلها ممكنة ، يتناول بسخرية السياسة من بعيد ،
ومن قريب يسخر من المظاهر الاجتماعية والثقافية ، لا ينسى علم النفس والدين ، يشرح
دائرة الحياة طبقاً له : "أخي ضربني .. أختي ضربت أخي .. أبي ضربني وضرب أختي وأخي .. أمي ضربت
أبي وضربتني مع أخي وأختي .. الجيران ضربوا عائلتنا .. السكان المجاورين ضربوا
الجيران وعائلتنا".
ينتقل الفيلم بين الماضي والحاضر حرصاً على المصداقية ، يعرض لقاءات
حديثة مع بعض ممن يفترض أنهم عاصروا ظاهرة زيليج ، لم يستعن آلان بممثلين محترفين إلا
شخصه والجميلة ميا فارو ، فارو كانت مصدر التعاطف في الفيلم وليس زيليج ، وهذا اختيار شديد
الذكاء من آلان ، حيث لا يمكن تطوير تعاطف قوي طالما هو من يلعب الدور ، جمع بين آلان و فارو عدد من المشاهد
البديعة ، كمشهد التنويم المغناطيسي الذي تسعى من خلاله الطبيبة للتعرف أكثر على حالة
زيليج ، فينتهي الأمر بأن يخبرها زيليج بما لا تعرفه عن
نفسها ، لم يقع آلان في فخ متوقع لاستعراض مشاهد منفصلة يستخدم فيها التحولات والشخصيات
المختلفة ، لكن فضلّها أن تكون بصورة خاطفة عن طريق الصور واللقطات السريعة .
عَمد آلان بالاتفاق مع مدير التصوير الكبير جوردن ويليس – صاحب The Godfather و Manhattan – إلى
محاكاة الجودة السيئة للأفلام التي بحوزتنا من فترة العشرينات ، فتم تصوير الفيلم
باستخدام نفس الكاميرات والتقنيات المستخدمة وقتها مع إضافة عوامل الزمن ، كما أن
المؤثرات الخاصة تم صنعها يدوياً ، بدون استخدام التقنيات الحديثة التي أصبحت
متوافرة بعد الفيلم ، والتي جعلت من الممكن أن يُصافح (فورست جامب) يد (كينيدي).
المخرج المهم لابد وأن تكون أفلامه شخصية مُعبِّرة عن رؤيته الخاصة ،
في حالة وودي آلان هي أفلام شخصية زيادة عن اللازم ، فإما أن تحبه أو لا تحبه ، لا
أعتقد أنه يمكن لمشاهد لديه مشكلة مع آلان ورغم هذا يمكنه أن يحب
فيلم له ، لأن وقتها ستصبح مبالغات آلان سخيفة متطرفة وإن
كان من الصعب إنكار الكتابة الذكية الأصيلة ، لكن إن أحبه المشاهد سيرى أنه حتى
عندما يكون سخيفاً فتظل سخافته ذكية ذات طبقات ، الأمر بتلك البساطة ، كل فيلم هو
نفس الشخصية العصبية ، اللامعة ، الظريفة ، المترددة ، قليلة الثقة بالنفس ، مع
الكثير من البارانويا ، إلى جانب باقي المشكلات الأخرى ، ولهذا نحبه !
"علي أن أذهب إلى المدينة ، أقوم بتدريس منهج في الطب النفسي عن
الاستمناء ، إن لم أكن هناك ، سيبدأون من دوني".
0 التعليقات :
إرسال تعليق