كتب : خالد إبراهيم
التقييم : 4.5/5
بطولة : مالا سينها ، جورو
دوت
إخراج : جورو دوت (1957)
"عالم يعبدون فيه
الأموات ، عالم حيث الموت أرخص من الحياة ، ما يفيد المرء إن كسب عالم مثل هذا ! ،
هذا عالم ينتمي إليكم ، احتفظوا به !"
رصيد
جورو دوت السينمائي ثمانية أفلام فقط كمخرج ، فيلمان فقط إن
بدأنا العد من بعد امتلاكه المال اللازم لصنع الأفلام التي يحبها حقاً ، لكن خلط
الكحول مع العقاقير تسبب في وفاة / انتحار مخرج شاب عبقري آخر ، على غرار فيلمه
هنا كانت شهرة الفنان تأتي فقط بعد الموت ، فلم يلقى اهتمام عالمي ونقدي مناسب سوى
لاحقاً ، وبعد موته بسنوات صار للفيلم متحمسين ، وصار له طائفة كبيرة في فرنسا
وألمانيا .
فيلم
(ظمآن) غنائي تراجيدي ، لكن التراجيديا الخاصة به ليست تقليدية
بالطبع ، حيث يصنع دوت الخلطة البوليودية الأكثر كمالاً ، يجمع ما بين التسلية والفن
، الجماهيرية والمستوى ، لكن في فيلمه الآخر والأخير لن يُقابَل بالترحيب
الجماهيري ، مما جعل المخرج متشائم بشدة من مجرد توقيعه باسمه على أي فيلم تقوم به
شركة الانتاج التي اسسها ، فشل زواجه في مقابل تعلقه بحب الممثلة وحيدة رحمان –
سيناريو مشابه لفيلمه الأخير – ولأنه "رجل لا يستطيع هضم الفشل"
كما يقول صديقه الممثل ديف أناند ، يجعل من الانتحار الفرضية الأكثر اقناعاً .
في
الفيلم ، الذي ينعم بقدر وافر من الجمال الشعري بصرياَ وموسيقياً ، نجد دور النشر
ترى فيجاي شاعر مجنون لكتابته الشعر عن البطالة ، بينما العامة يرونه
مجنوناً لأنه شاعر ، اخوته يعاملونه بقسوة لأنه لا يعمل ، رغم كونه حاصل على مؤهل
جامعي ، الفيلم يرصد ملامح التغيرات السياسية والاجتماعية عن هند ما بعد التحرر
، وضوح الرصد لابد منه ، ولا يمكن جعله أكثر غموضاً ، الراقصة تُجْبَر على الرقص ،
بينما طفلها الرضيع يصرخ ، الشاعر الذي يراقب كل هذا ، لا يجد حلاً سوى الغناء
متسائلاً "من هم الفخورون بتلك الأرض حيث يوجد كل هذا الظلم ؟"
الفيلم يهبط بنا بين الفقر وغياب الكرامة ، بين الجشع وغياب الإنسانية .
في
المقابل هناك خيط رومانسي شديد الغموض ، بين الحب السابق للشاعر والحب المفترض
الجديد ، حبيبته السابقة أنانية مترفة ، اختارت الراحة ولم تختر الحب ، يمكن –
بسهولة – إدراك أنها ليست سعيدة بالاختيار ، بينما الحبيبة المحتملة الجديدة فتاة
ليلة متفانية ، لم تكترث لنفسها من أجل افتداء ذكرى من تحب ، وإن كنا لم نعرف حقاً
إن كان الشاعر يبادلها الحب .
فتاة
الليل الحقيقة – التي تم بناء الشخصية عليها – تم استخدام عبارتها حرفياً حيث تقول
أنها تُعامل لأول مرة باحترام عوضاً عن الإساءة ، جورو دوت – مثل دراير – يرغب
في رفع الظلم عن المرأة المظلومة ، وإن لم يجعلها مثل الدنماركي في الصدارة ،
لكنها صاحبة مكانة مميزة ، الصدارة كانت للفنان المظلوم بدوره ، عاكساً شعور
المخرج نفسه ، ومدى رغبته في توجيه غضبه للعالم ، إذاً هو لا يشترك مع فاسبندر في
النهاية المأساوية فقط .
قسوة
المجتمع والبشر جعلت من الشاعر منبوذاً ، ثم بعد أن اعتقد الجميع بموته منتحراً ،
صارت قصائده مقدسة ومحبوبة ، لكنه عاد من جديد بعد الموت المزعوم لينكر العالم
الذي أنكره ، الفيلم لا يهدف إلى إشعار مشاهده بالتعاطف ، وإنما بالخجل ، الفيلم
ليس واقعي ، وإن كانت مشكلته مع الواقع ، اسم الفيلم (ظمآن) يُرجّح ظمأ
الشاعر للحب والخير والعدل ، ثم صدمته وامتلاءه بحيث لم يعد ظمآن ، ويتركنا الفيلم
في النهاية حتى نتساءل من الظمآن الحقيقي المجتمع أم الشاعر ؟ ، وهل يشترك الاثنان
في نفس القيمة التي يشعران بالظمأ لها ؟ ، اختلف المخرج مع الكاتب حول النهاية ،
انتصر المخرج – لحسن الحظ – برفض الشاعر للعالم المادي المنافق ، في مقابل فكرة
الكاتب لبعض المداهنة ومحاولة الصلح بين العالم والشاعر ، لكن المخرج هُزم – لحسن
الحظ – في معركة أخرى مع الموزعين ، هل ينبذ الشاعر العالم وحيداً أم مع فتاة
الليل التي احبته ؟
الشخصية
الثانوية الكوميدية الإجبارية منعت سيطرة المزاج شديد الكآبة للفيلم ، رغم أن هذا –
في رأيي – كان يمكن تجنبه ، لكن تلك الشخصية – على الرغم – منحت الفيلم أغنية لا
تُنسى ، أغاني وموسيقى الفيلم جديرة بمنحه الدرجة التي يستحقها بين نظرائه ،
بالإضافة إلى أغنية شهيرة أخرى بصوت المغني الهندي الكبير محمد رافي و جيتا دوت زوجة
المخرج ، الجدير بالذكر أن الرجل الذي بدأ مسيرته كمصمم رقص حين أصبح مخرج لم
يُقحِم رقصات في فيلمه .
جورو دوت في
فيلمه الذي يُخرجه ويُنتجه ويُمثل – مضطراً – دوره الرئيس ، يستخدم اللقطات المقربة
بشدة من وجوه ممثلين قاموا بأداء جيد ، وممثلات لهن نظرات قاتلة وعيون واسعة جميلة
، وصاحبات أداء جيد كذلك ، كما استخدم المخرج الفلاش باك عند العودة للحب الضائع ،
الشيء الملفت كان حركة الكاميرا الانسيابية ، ما بين القرب والبعد ، والمزج بينهما
، حركة الكاميرا العلوية تدين بالفضل لما تعلَّمته من مواطن (ويلس) .
الطفل
جورو دوت كان معتاداً على تقديم عرض خاص ليلاً لعائلته الصغيرة
، مستخدماً أصابعه والظلال ، لذا كان مفهوماً كيف أصبح استخدام المخرج – الشغوف
بالسلويت والإضاءة الخافتة – للضوء والظلال شديد الإبهار ، خاصة مشهد رجوع الشاعر
من الموت ، حيث الكاميرا تتحرك بدون توقف لكن بدون تسرع ، مشهد آخر يعلن فيه
الشاعر لحبيبته السابقة بإنسحابه بعيداً عن كل هذا النفاق ، فتحيط هالة برأسه ترمز
لكونه مسيحاً أو قديساً ، مشاهد تم تنفيذها بالكثير من الحساسية ، الكثير من الشعر
.
0 التعليقات :
إرسال تعليق