كتبت : فاطمة توفيق
التقييم : 4.5/5
بطولة : إيميلي دوكين ، طاهر رحيم ،
نيلز آريستروب
إخراج : جواكيم لافوس (2012)
هذا الفيلم لديه قدرة على أن ينسل حول رقبتك ببطء ، يضع الحبل ، يحكم
عقدته جيداً ، ليسحبه في نهاية الفيلم ويخنقك به .
المخرج البلجيكي خواكيم لافوس يقدم هذه الدراما الثقيلة المزعجة عن امرأة تقع تحت وطأة زوجها والرجل الذي يسيطر عليه ويدير أمور حياته ، الفيلم مستلهم من قصة حقيقية ، وكان من الممكن أن يقدمها المخرج الذي سيتبناها كما هي ، ففيها ما يكفي من الدراما لتحويلها لفيلم قادر على جذب الجمهور ، و لكن لافوس لم يكتفِ بنقل القصة إلى الشاشة وإنما حرص على تقديمها بمنتهى البراعة والفن وبتكنيك تدريجي حساس ومذهل يرصد التحولات النفسية التي تمر بها هذه المرأة ، ساعده في ذلك الأداء المبهر لـ (إيميل ديكين) بوجهها الذي كان يتغير بتطور أحداث الفيلم ، تغير يتطور بشكل لا رجعة فيه وينبئ بأنه لا مفر من النهاية التي انتهت إليها.
ولكن على الرغم من ذلك ، على الرغم من كل ما ينبئ بتلك النهاية فإنك
حينما تتذكر كيف بدأ الفيلم وكيف كانت تلك المرأة فتاة شابة متحمسة للحياة والحب
تنبهر بقدرة لافوس على العبور بتلك القصة من هذه البداية المبشرة ليصل بها
إلى النهاية التعيسة تلك بشكل ناعم متسلسل و تلقائي لا يلفت النظر بتصنعه أو افتعال
أي شيء فيه.
برع لافوس في تقديم تحولات مورييل بشكل قاتم قوي وفي نفس الوقت حساس للغاية ومؤلم يليق ويعبر عن قصة كل امرأة تتعرض لتلك الظروف ولتلك الضغوط النفسية في أي مكان في العالم ، ربما لذلك قدم ذلك الرابط الخفي بين مورييل الفرنسية وأم زوجها المغربية والتي على الرغم من اختلاف الثقافة والحضارة وكل شيء بينهما حتى اللغة فلا تفهم إحداهما الأخرى إلا ان الرابطة الوحيدة الطيبة في الفيلم بين شخصين كانت بين المرأتين ، فكل من في الفيلم – سواهما - يرتبط بالآخر بعلاقة نفعية ذات مصالح ، في مشهد عذب للغاية تكون الكاميرا ثابتة فيها على مورييل والسيدة المغربية كلاهما يلهوان في البحر وكأن البحر هو هذه الحياة ، والسماء مغطاة بالغيوم بشكل مكتوم يشبه هذا العالم الذي يطبق فكيه على امرأتين مثليهما.
لم يكتفِ لافوس أيضاً باعتماده على السيناريو الجيد ولا وجود ممثلين أقوياء كـ (ديكين) أو (طهار رحيم) و (نيل آرستروب) معه وإنما أيضاً اعتنى بتفاصيل الصورة التي يعرضها لتكتمل مع ما تنقله ، فيسود اللون الأزرق البارد القاسي على الصورة في أغلب الفيلم وتكثر سيطرته كلما اقترب من النهاية ، ملابس مورييل والتي تتطور من الفاتح أو الملون في بداية الفيلم لتنتهي برداء واحد رمادي لا تغيره إلا حينما ترتدي الجلباب التي ستهديه إليه أم زوجها في النهاية ، أيضاً الموسيقى السيمفونية التي تغلف الفيلم وتشعر أنها تمتصك بالتدريج بداخلها كما تمتص القتامة حياة مورييل ، الموسيقى السيمفونية هذه والتي يعود أغلبها إلى القرن الثامن والتاسع عشر ربما تشير أيضاً أن آلام هذه المرأة - أو هؤلاء النساء التي تعبر عنهن مورييل - قديمة كقِدَم هذه الموسيقى والتي تتحدث أغلبها عن الآلام ولحظات السعادة القصيرة ، وكذلك المشهد البديع الذي تغني فيه مورييل مع جوليين كليرك عن كل النساء اللاتي عرفهن جميلات ضعيفات مجروحات وجروحهن ستبقى إلى الأبد .
0 التعليقات :
إرسال تعليق