كتب : أحمد أبو السعود
التقييم
: 4/5
بطولة : تيلدا سوينتن ، توم هيدلستن
إخراج : جيم جارمش (2014)
يبدأ الفيلم بلقطة لما يبدو أنها نجوم فى السماء ، تدريجياً تتحول
تلك النجوم إلى أسطوانة موسيقية تدور في قرص فونوغراف ، و بنفس اتجاه دوران الأسطوانة
يظهر بطلى الفيلم كلاً منهما في لقطتين منفصلتين و هما نائمين و الكاميرا تدور بنفس
الاتجاه .
قيمة افتتاحية مثل تلك أنها تخلق المود النفسي و الشعوري الذى سيلازمك
طوال الأحداث ، التحول التدريجي فيها من النجوم إلى الأسطوانة إلى البطلين فيه نوع
من الاختزال لخصوصية العالم الذى يعيش فيه البطلين حيث العزلة و مشاركة الكون كله تلك
العزلة معهما ؛ الاختزال هنا هو أساس الفيلم ، و الاختزال عموماً هو جوهر الفن و ما
يميز السينما عن غيرها من الفنون هو أن لديها قدرة عظيمة على الاختزال و التكثيف ،
و هنا يصل الاختزال و التكثيف إلى مستوى ليس يسيراً على الكثير التعامل معه سينمائياً
، جيم جارموش
يختزل قرون من الزمن ، ثقافات و حيوات مرت على الأرض ، حياة البشر و احتضارهم الحتمي
في ظل اختفاء كل ما هو حقيقي و ذي معنى و قيمة .
الجميل جداً في الفيلم أنه استطاع أن يتعامل مع تلك الفكرة الواسعة
بالخصوصية التي تسمح له بالتركيز على تفاصيل تُظهر العالم على حقيقته ، نحن نرى العالم
هنا من خلال حالة حرجة من العزلة مفروضة على بطلي الفيلم "آدم و حواء"
، جارموش
يتعامل مع حالة العزلة تلك بأريحية شديدة و كأنها حالة ليست مُقلقة أو مُفزعة ، بالعكس
يتعامل معها ببديهية شديدة و كأنها النتيجة المنطقية الوحيدة لكل ما يحدث في العالم
و كلما ضاقت دائرة العزلة كلما اتسعت دائرة الإدراك لطبيعة ما حدث للعالم على مر العصور
.
على شريطي الصوت و الصورة يتمتع الفيلم بزخم ثقافي شديد التنوع ، المُقاربة
هنا بين ذلك الزخم و بين الأزمنة التي عاشها البطلان قد تكون واضحة و لكنها بعيداً
عن ذلك الوضوح تضرب في جذور العلاقة بين البطلين بالطريقة التى فسّرها جارموش في
نهاية الفيلم من خلال نظرية الكم لأينشتاين ، علاقة الحب التي يرسمها جارموش في الفيلم ما
هي إلا انعكاس عظيم لحالة العزلة التي يمر بها العالم و كأنه يقول أن الحب هو السبيل
الوحيد لخلق الحميمية المطلوبة لتبديد وَحشة تلك العزلة .
0 التعليقات :
إرسال تعليق