كتب : فراس محمد
التقييم : 5/5
بطولة : لوي غاريل ، كلوتيلد إيم
إخراج : فيليب غاريل (2005)
"أبي الحقيقي هو المال , بالمال تستطيع ان تكون أنت , المال وأنا غير قابلين
للانفصال , المال هو أنا , إن لم أملكه فلن أكون أنا"
"هل شاهدت فلم قبل الثورة لبرناردو بيرتولوتشي"
بالرغم من التأثر الكبير لفلم فيليب غاريل بسينما فرنسا الستينات , وخصوصا من حيث الشكل , إلا
انه لا ينتمي لها , هذا برأيي جزء من عبقرية هذا الفلم , المقاربات الكثيرة والتشابه
المقصود بين الفلم وسينما تروفو في بدايتها , وفلم جين اوستاش The Mother and the
Whore لم تعطي الفلم نكهة او مذاق الموجة الجديدة , رغم
ان الفلم يبدو وكأنه فعلا أتى من الستينات , كسر هذا الحاجز الزمني لم يكن مجرد تحية
لسينما او لمخرج معين , ففكرة الفلم تتطلب ان تُعالج بأسلوب وتكنيك سينما الستينات
حتى تعطي الانطباع الاصدق عن احداث تلك الفترة على شكل توثيق او أرشفة , وهذه فكرة
ذكية من غاريل لأن صناع هذا المنهج السينمائي بالأصل هم جزء من حركة الحدث
التاريخي الذي صوره في هذا الفلم .
شخصيات الموجة تتسم بذات الفوضى الداخلية التي تتحلى بها شخصيات هذا الفلم
والتي تـُبلور وتشكل عالمها الخاص وهواجسهم الخاصة , ولكن هذه الفوضى والعبث هنا كانا
أكثر تشاركية , اصبحت سمة من سمات المجتمع ومحرك حقيقي له وخصوصاً مع تصوير الفلم ضمن
فترتين تاريخيتين , اثناء قيام الحركة الاناركية عام 68 بإشعال شوارع باريس بالمظاهرات
, وما بعدها , الفلم حقق تكاملاً فريداً بتصويره لأصغر التفاصيل وما طرأ عليها من تغير
بين هاتين الفترتين , ما بين الفوضى التي كانت تشتعل على شكل تمرد ورغبة في الحرية
عند شباب ذو توجه يساري وتداعيات هذه الفوضى فنياً وفكرياً والتي ازكت الرغبة في التخلص
من حكم شبه عسكري , وما بين الفوضى التي رسمت بهشاشة علاقات وشخصيات الفلم بعد الثورة
التي كان المستفيد والمنتصر والغير مشترك فيها هو الاتجاه الذي ساد فرنسا بعد الثورة
على شكل تيار برجوازي فرّغ وحرف الكثير من المفاهيم عن سياقها الطبيعي , وحوّل اغلب
الطموحات التي ولدتها هذه الفوضى وهذه الثورة لشيءٍ استهلاكي بحت عديمة الروح , هذا
التيار الذي تكرس عام 69 بدا كالثقب الاسود الذي امتص كل شيء ولم يترك سوى الاستسلام
, الفلم يعبر عن حالة الفشل وخيبة الامل والاستسلام اكثر من تعبيره عن الحاجة للتغيير
او الاستفادة مما اعطته الفوضى والرغبة والحلم من قدرة على تحقيق واقع مختلف , وأن
غياب مظاهر الدولة البوليسية لا يعني اختفاءها بقدر تحولها لنمط وشكل آخر كرس وجوده
وتمدمده في كل الاتجاهات , والاثر الذي تركه كان اشد عمقاً من اي مظهر ديكتاتوري مباشر
وظاهر , فما خلقه كان على شكل استسلام وهزيمة غير معلنة .
الأحداث التاريخية يجب ان تتعامل معها السينما بهذا الشكل , ألا تستثني
الاسباب المحرضة لها , وتداعياتها على المستوى الشخصي والاجتماعي ونتائجها , لان تصوير
الحدث البطولي يصنع ابطالاً في حال تم الاخذ بالسياق الزمني والصورة البانورامية الكبيرة
لها لن يكونوا أكثر من كومبارس وبيادق شطرنج , والتداعيات التي تركتها الثورة على الشباب
الذين اعلنوا عنها ضمن اطار لا منتمي عابث وفوضوي تركتهم في نهاية الفلم جثث هامدة
وخصوصاً مع اسلوب غاريل الممتاز في تصوير الأثر الذي تركه الواقع البديل , وما آثار
تلاشيه المدمرة , وأن القيود التي كانت قبل الثورة على شكل قنبلة غاز وعصا عسكرية
, تحولت بعد الثورة لأكبال داخلية نفسية وتهميش على مستوى الطموح والحياة من الصعب
ادراكها والتعامل معها كما كان التعامل في السابق سهلاً مع ادوات القمع الواضحة على
صعوبة التعامل معها وهناك فرق بين ضحية قمع , وضحية استسلام وهزيمة داخلية بالشكل الذي
صوره غاريل .
0 التعليقات :
إرسال تعليق