كتب : مصطفى فلاح
التقييم : 4/5
بأصوات : كلوي موريتز ، جيمس كان
إخراج : إيساو تاكاهاتا (2014)
لو أنك أردت أن تشاهد فلماً رسومياً , في هذه الفترة التي تمر فيها
السينما بأعظم مراحلها على المستوى التقني و الروائي , أن تخرج من الأُطر
الأسلوبية المُتكررة لجعل الفلم براقاً بإستخدام الكم الهائل من التكوين المؤلف حاسوبياً
, و أن تشبع روحك بسرد جميل و قصة تتأملها بشغف من الدقيقة الاولى حتى الأخيرة ,
فيمكن أن يقال أن أيزاو تاكاهاتا في مأثرته الأخيرة قد نجح في ذلك بشكل مواز للكثير من
الأسماء المرموقة في صناعة سينما أصبحت تُضاهي كُل صناعة أخرى .
الرأس الآخر , مع ميازاكي , في تأسيس مدرسة الإنتاج الرسومي غير الهوليوودية
الأكثر شهرة اليوم ، غيبلي , ما زال يُحب الخروج من الإطار , و أن يروي حكايته
الجديدة دون إستخدام للكثير من الأدوات ؛ في إقتباسه الجديد لأحدى قصص الفلوكلور
الياباني , يضع هذا القاص مُرهف الحس و جيد التعبير بصمته الخاصة مرة أخرى في
أذهان مُحبي المُخرج و سينماه .
قدر كبير من الشجن و هائل من المشاعر يلف عالم الأميرة التي نزلت من (الجنة) و ولدت
من فرع شجر الخيزران في غابة تحف قرية يابانية متواضعة , تلعب فيه الصور الساحرة و
الموسيقى الشعبية دوراً كبيراً فى إثارة جو عاطفي مفعم بالحنين و الحزن , و إن لم
يخلُ من بهجة , في سرد سنوات من حياتها و هي تحاول التشبث بتراب الأرض و النظر من
بعيد الى القمر ! ، قد تبدو لك هذه الحكاية أسيرة لخطوطها الميلودرامية , لكن تاكاهاتا يمنع
الفلم من أن يقع في مأزق المُبالغة التي قد تجدها في حكايا أهل البلد عنها مثلاً ,
النزعة العاطفية الجياشة فيه لا تنبع من تقلبات الأحداث المدروس بعناية فقط , و
إنما من جماليات صورة و صوت أعتدناها كثيراً خلال ثلاثة عقود من عُمر غيبلي .
أحدى جماليات هذا العرض الطويل هو كونه يبدو نابعاً من دواخل عقلنا
الباطن ، يجري جنباً الى جنب مع
خيال الطفولة الجميل , و يُثير في قلوبنا تساؤلات مُهمة عن منبع السعادة و ما يجب
أن تكون ؟ ، هل نحن في الحقيقة قادرون على إمتلاك السعادة بأنفسنا أم هي في الأساس
إنعكاس مرآة رغبات الغير في ما يُريده لنا ؟! ، تاكاهاتا يبتر بعض الإجابات
التي من المُمكن أن تفي بالغرض ، يترك لكل واحد منا
المجال الكافي لخلق إجابته الخاصة و إختبار شعور (كسب السعادة) و (فقدها) أو (التخلي عنها)
في عالمه الحافل بالمُتغيرات .
الحقيقة أن المُشاهد قد يشعر بالأسف , بعد هذه الوجبة السينمائية
اللذيذة , على أن مُنفذ الأنميشن الموهوب هذا لم يصنع أفلاماً منذ قرابة عقد و نصف
حاز قبلها على كُل تكريم مُستحق و مديح مرجو , فنادراً ما قد نجد فنانا سينمائيا
بهذه الرهافة في التعبير , ليس فقط من ناحية السرد , و إنما أيضاً في قدرته على تجسيد
الفولكلور بشكل يزيده جمالاً و قيمة .
0 التعليقات :
إرسال تعليق