كتب : فراس محمد
التقييم : 5/5
بطولة : جينا رونالدز ، جون
كاسافيتيز
إخراج : جون كاسافيتيز (1984)
يهتم كازفيتس بكل شيء , هذه المرة اخذ بنفسه تقديم أداء شخصيته
الرئيسية , التي قدمها بشكل لا استطيع ان اتخيل ممثل آخر ان يقدمها بنفس الاسلوب ,
فلمه الحائز على دب برلين لعام 84 يُعيد الرواية من زاوية أخرى , الحب في افلام
هذا الرجل مشكلة , ليست حالة , ليست علاقة , ليست ارتباط , هي مشكلة , والحب الذي
يتكلم عنه كازفيتس حب بالمعنى العام , بالأحرى , هو يتكلم عن شخصيات تحب
ان تعيش الحب , ولكنها تفشل في ذلك .
المؤثر والمميز في افلام هذا الرجل انه على الرغم من شخصياته الغريبة
الاطوار والتي تعيش حياة مليئة بالعقد النفسية والعاطفية , إلا انها لا تبدو
شخصيات غير طبيعية , تكثيف الفكرة وانعكاسها على الشخصية لا تجعلها شخصيات هدفها
التعبير المجرد عن الفكرة , بل الفكرة تعطي الشخصية تركيب أعقد وتطور مهم في رؤية
الفكرة نفسها ، وهذا يزيل الاحساس بلاطبيعيتها , وشخصيتاه الرئيسيتيان هنا مثال
جيد على ذلك , هما انعكاس لتوتر الحياة وتنوعها والضغط الذي تمارسه , وخصوصاً على
القيم الاكثر تداولاً وانتشاراً كالحب فيتخذ صيغ أخرى تتماشى مع توتر الحياة
ومشاكلها .
أخذ كازفيتس وقته في بناء عالم هاتين الشخصيتين المتناقض والفاقد
للتوازن على نحو مختلف , جعل منهما خطين متوازييين تماماً قبل ان يجعلهما يلتقيان
, ذكاء هذا الرجل يتجلى برأيي في هذا الفلم سينمائياً بعدم افصاحه حقيقة عن طبيعة
هذه العلاقة إلا عندما اراد ان يصل لنتيجة ان يحل وثاقها , هذا الكشف هنا جعلني
اعيد التفكير في حسابات الشخصيتان تماماً , وترك قوة وهمية مهمة ، اعتقد لو افتقدها
الفلم لخسر الكثير من قيمته , اساس هذه القوة ان هاتين الشخصيتين اللتين تعبران
بطريقة راديكالية عن الحب كل بمفهومه , ليس من الممكن ان تكون حياتهما مشتركة ,
رغم الاحساس القوي والغريب والمميز الذي تنتجه علاقتهما بمعنى ان فقدان التوازن
عند احدهما لن يعيده لنصابه سوى فقدان التوازن لدى الطرف الآخر , ومع ذلك ,
المعادلة تبدو غير مكتملة , لان كل منهما لديه مفهوم مختلف عن الحب , سارة الحب
بالنسبة لها أمر تعيش من أجله , بينما روبيرت لا يؤمن به ويعتقد انه شيء ميت ليس قادراً على منحه ولا
ينتظره من أحد , اذن الحب بالنسبة لكليهما قيد لكن لن يقيدهما معاً .
سيناريو الفلم كان بالتوازي يكمل ما يريد المخرج تقديمه , استغلال
كبير لنقاط قوة السيناريو , فعندما يقول روبيرت لابنه "انا لا احب النساء , لا احب الرجال , لكنني كاتب , لا استطيع الكتابة عن
الرجال , هذا شيء ممل , لكنني احب الاطفال , احب كبار السن , لانهم يملكون البراءة"
، بالمقابل تقول بولي لسارة والدتها "لا اريد ان اكون معك , لا اريد ان اكون كالعبد" , كازفيتس
يصور تماماً حالة العبث الذي يعيش فيها روبرت , كحالة الالتزام المقيدة التي لا تستطيع سارة الخروج
منها , هاتين الشخصيتين فعلاً خطان متوازيان لم يستطع الفلم جعلهما يلتقيان إلا من
خلال نوعية العلاقة التي قدمها بينهما , هذا برأيي سر الفلم ومركز القوة فيه .
اعتقد مع تجربتي القليلة مع كازفيتس , فهذا ثالث فلم اشاهده لهذا المخرج , انه اعظم ما
شاهدت له , واعتقد انه واحد من الافلام التي تستطيع ان تتذكر الثمانينات به , كما Once Upon a Time in
America , كما Amadeus , و The Last Emperor .
0 التعليقات :
إرسال تعليق