كتب : مصطفى فلاح
التقييم : 4/5
بطولة : إليويز غوديه ، كامل عبدلي
، ريتشارد تشيفالييه
إخراج : جان لوك غودار (2014)
"لا ترسم ما نرى , لأن ما
نراه لا شيء , و أيضاً ليس ما نستطيع رؤيته ، أرسم دائماً ما لا نراه !" - كلود مونيه
في وداعه للغة السينمائية التي عرّب بها دَور السينما التي سبقت
الموجة الفرنسية الجديدة كوسيلة لكشف المستور , يبدو أن غودار يهدم كُل القيم
السينمائية خلال النصف الثاني من عمره المهني أيضاً ليعيش على أنقاض الإيجاز و
الرمز في عرض الحقيقة , ما زال يؤمن بأن تفاوت مجموعة صور فردية يُمكن أن يؤدي
لسرد أكثر قيمة من عرضها بتسلسل منطقي , بل ما زال يبتكر طريقة مونتاجية جديدة
لتهميشها و عرضها بأكثر الأشكال أيجازاً للفكرة .
غودار لا يزعجه استعمال (الكلمات الكبيرة)
لكنه يُدرك أن (الاستعارات الصغيرة) عن الأفكار و العلاقات في سينماه لها وقع
أفضل على مُشاهد القرنين , و نعم .. قد يتملكه الإرباك في البداية لكنه في نهاية
الأمر سيجد ذلك أكثر صحة و أكثر بساطة من حَذر الأساليب الملتوية الحالي !
غودار القائل بأن السينما
هي أفضل تقنية لكتابة تاريخ القرن - كما جاء في كتابه (آثار السينما و ذاكرة قرن)
- يوظف في عمله الأربعين ما يراه الأمثل (كاميرا هاتف محمول , عرض ثُنائي و ثلاثي
متوازي) في هدم هذه التقنية لإيصال أفكار مُحددة عن عالمنا المُعاصر من خلال
علاقات مُفككة بين مجموعة أفراد و كلب ! .. و رغم كون الصور تبدو تالفة , مُستعملة
, أو كأنه ألتقطها بكاميرات مراقبة من نوع ردئ صغير الحجم , فإن رائد الموجة الذي
جاوز الثمانين ما زال يحمل بصمة المُعلم التي يحسدها عليه الكثير , يضفى تجانساً
على هذه الصور التي يراها روائية في أصلها ليتركها غامضة في طريقة عرضها ؛ لم تعد
مُهمتهُ تتمثل في اكتشاف الصور المختفية تحت الصور فقط , بل في جمعها معاً و وضعها
على سطح شاشة لا يمكن التمييز بينها و بين شاشة الكمبيوتر !
رسالة غودار في خلقه لهذا الجسد الفرانكستايني و بثّه للروح فيه
تتمثل أيضاً بانتفاضته على اللغة السائدة في وسط أصبح في جزء كبير منه يهدف الى
أثارة العقول بدلاً من استثارتها و أن يحقق ما يفيض عن حاجة بعض القائمين عليه للاستمرار
في عمل مزيد , بأن يتمرد على تقنيات الماينستريم عالية الجودة (صوتاً و صورة) ليستغلها
في عمل شريط ممول ذاتياً عن تفصيل عادي في حياة عادية ! ، كُل هذا الارتجال
المُخالف للتيار السائد يُجسد فكرته التشاؤمية عن عجز التواصل المُجتمعي و إستناد
الأفراد بشكل مأساوي على سلطة الآلة العُليا في تحديد الوجهة و رسم مصير البشري !
لا أريد إطالة الحديث عن دقائق هذه الساعة السينمائية التي أكسبت
صانعها جائزة لجنة تحكيم كان المُنصرم , فـ (غودار) يجعلها أشبه
بالفوضى المرئية التي تتركها خطوط عشوائية في ورقة مُتكدسة بها أو بتكتل الغيوم في
سماء مُزدحمة بها , كُلٌ يراها بشكل مُغاير للآخر كما أنه سيرسم في مُخيلته شكلاً
مُغايراً لسابقه كُلما أعاد النظر فيها بعد ذلك ! ، رٌبما سأكتفي بالقول : بالنسبة
لسينمائي أعتاد السباحة عكس المد الجاري منذ أن أمسك بكاميرا , فإن هذا وداعٌ
سنتذكره فيه طويلاً .
0 التعليقات :
إرسال تعليق