كتبت : فاطمة توفيق
التقييم : 4.5/5
بطولة : والتر كيروز ، سوليداد
ألفارو
إخراج : فيرناندو سولاناس (1992)
" كل شيء بدأ بحلمٍ في (بيونس آيرس)" ..
أمريكا الجنوبية المعاصرة كما يراها فيرناندو سولاناس ، وانهيار كل شيء والذي يظهر منذ بداية الفيلم مع تساقط صور الرموز المؤطرة على جدران مدرسة مارتين ، الفيلم هو رحلة طريق في روح أمريكا الجنوبية بأعراقها المختلفة وماضيها المؤلم ، لا يتعرض الفيلم لحضارة البلاد الذاخرة بقدر عرضه لانهيار كل شيء مهما كان صغيراً ، حتى الذكريات الشخصية والأحلام البسيطة ، كل ذلك ينهار أمام الفيضانات والأمراض والمناخ السيء ، والذي وجدته في الفيلم عقاباً ، أو نتيجة حتمية لكل القبح الذي صنعه حكام وحكومات فاسدة توالت على هذه البلاد ولم تحافظ على إرثها العريق وباعت الأرض والحضارة أمام حفنة دولارات مقابل البترول الذي سيشتريه الرجل الأبيض.
في كل مشاهد المسلسل التليفزيوني الذي يُعرض طوال الفيلم من خلال
تليفزيونات موجودة في جميع أنحاء القارة التي لفها مارتين ، في كل
المشاهد نرى شباباً فرحين بأنهم سيصبحون أغنياء بعد اكتشاف البترول في أرضهم ،
وأمام كل تلك المشاهد نرى على أرض الواقع مشهد مناقض تماما ممتلئ بالفقر والخراب
الذي ملأ القارة ، و حتى عندما مر مارتين على أرض تم بيعها لبريطانيا لتستخرج منها البترول كانت
الأرض مسكونة بروح تشبه تلك الموجودة في معسكرات النازية في موتها ورغبتها في
القتل ، على الرغم من الروح الجميلة للبريطاني الذي أرسلته حكومته من أقصى الشمال
ليستخرج البترول هنا.
الحكومات الفاسدة تلك التي باعت كل شيء تمسكت فقط برسميات تافهة سخيفة تستحق السخرية ، وسرقت من الجيل الجديد كل حق في الانتماء والحلم وتركت لهم فقط أحلام سطحية ساذجة سرعان ما سيصيبهم الاحباط من عدم تحققها ، رحلة مارتين كانت رحلة تطهيرية من كل ذلك، ليست فقط لنفسه وإنما لجيل و لأرض و بلاد كاملة ، رحلة للبحث عن الحقيقة بين القبح واللعنات التي أصابت البلاد ، وتضفير ذلك مع القصص التي قام برسمها والده و بعض السيريالية الساخرة التي أضافها سولاناس جعلت من الفيلم رحلة ملحمية فانتازية عظيمة .
الفيلم يشبه كل الأفلام القادمة من أمريكا الجنوبية ، في صدقه و انسانيته و كأنه روح متجسدة على الشاشة ، و لكن هذه المرة كانت الروح عظيمة وشاملة لكل تلك البلاد و أهلها و تفاصيلهم و حضاراتهم ، و كانت و كأنها تتمخض و تشتكي وتقاوم كل ما فُعِل بها ، الفيلم فعل مقاومة في الأساس ، فهرب مارتين من منزله كان مقاومة لحياته الباردة الرمادية في الجزيرة التي كان يعيش فيها ، ثم نشاهد معه كل قصص المقاومة التي يمر عليها أو على شواهدها في رحلته، أنت تشاهد الفيلم وتتعرف على عظمة تلك القصص من خلال إطار بصري وسمعي عظيم يقدمه لك الفيلم وكأنه نسيج يدوي أصيل مصنوع في بيرو أو في أحد تلك الدول التي مر بها مارتين .
في الفيلم شاهدت روح كيشلوفسكي ، بالذات في بدايته وأيضاً في تلك المشاهد العذبة للفتاة التي ترتدي الأحمر ، و وجدت أصالة الأفلام الإيرانية في صدقها عندما تحكي عن الأرض وأهلها ، شاهدت قبح Element of Crime للارس فون تريير وإنهيار العالم في Apocalypse Now لكوبولا ، وبالطبع شاهدت The Motorcycle Diaries تشي جيفارا.
بحث مارتين عن والده هي رحلة بحث عن أصله ، و قائده و مصدره في التعرف على كل جمال ، و روح أبيه الهائمة الوحشية التي يصعب مطاردتها هي روح أمريكا الجنوبية القوية الأصيلة و القادرة على التصدي لكل قبح ، و التي ستظل قابعة في روح مارتين وفي روح كل جيل جديد يولد على هذه الأرض.
..
"مم تهرب ؟ - من النسيان."
0 التعليقات :
إرسال تعليق