كتب : أحمد أبو السعود
التقييم : 4.5/5
بطولة : ستيرلنغ هايدن ، لويس كالرن ، سام جافي
إخراج : جون هيوستن (1950)
إذا أضفنا لهذا الفيلم رائعة جولز داسن Rififi و رائعة كيوبريك The Killing فسيتشكل لدينا ثالوث مقدس لأفلام الجريمة ، و لكى نكون أكثر دقة "الأفلام التى تدور حول التخطيط للجريمة" ، مصطلح طويل و لا مرجعية له ، لكنها الخصوصية العظيمة التي تقدمها الثلاث أفلام باختلاف معالجتهم و أساليبهم .
لدينا الثلاث حركات المعروفة "ما قبل عملية السرقة ، العملية نفسها ، ما بعد العملية" ،
يُهمل - إلى حد ما - جون هيوستن الحركة الوسطى من العمل ، كلمة إهمال ليس المقصود منها
تهميش أو استخفاف ، العملية نفسها كانت مميزة و بها من الذكاء و الإثارة ما يكفى
لخدمة العمل ككل ، و لكن بالنظر إلى الاهتمام الفائق الجودة بالحركتين الأخريين
فالإهمال هنا مقصود و عدم التركيز على تفاصيل العملية نفسها صبّ في النهاية لصالح
رؤية هيوستن للفيلم ككل .
تستمر الحركة الأولى ما يقرب من الـ50 دقيقة ، يقدم فيها هيوستن بناءاً شديد القوة و المتانة للشخصيات المتورطة في الجريمة و للظروف و الملابسات التي تحدث في المدينة و التي ستشارك بشكل مباشر في تحديد مصير العملية بعد تنفيذها ، ينتقل هيوستن من مكان لآخر و من شخصية لأخرى بسرعة و رشاقة جميلة ، لا يقع الإيقاع للحظة و لا يصل إحساس بالرتابة للمُشاهد ، لن تسأل متى ستبدأ العملية ؟ لن تنتظر مشهداً كبيراً مثلاً للتخطيط للعملية ، فقط أنت - باهتمام و متعة كبيرة - تتابع عملية البناء القوية تلك خطوة بخطوة ، يجعل هيوستن فيلمه ليس فيلم جريمة أو فيلم سطو ، هو فيلم عن الجريمة و عن علمية السطو ، من سيشارك فيها و لماذا ؟ كيف ستتم و ماذا سيحدث بعدها ؟ الملابسات المُحيطة بها ، تدخل النفس البشرية بطمعها و غدرها في العملية .. الفيلم عن هذا و ليس عن عملية السطو نفسها .
يكتفى هيوستن بـ10 دقائق فقط لعملية السطو ؛ العملية التي يقول عنها أحد أبطال الفيلم أنها أكبر عملية سطو في الغرب الأوسط ، ثقة غير عادية من هيوستن أن يكتفي فقط بـ10 دقائق ، فهل كانت ثقة في محلها ؟ ، ربما سيشعر المُشاهد أن المجوهرات لم يكن عليها حراسة تساوى قيمتها فبالتالي العملية لم تكن بالصعوبة التي يتحدثون عنها ، لكن هيوستن مُباشرة يُسرّع إيقاع العملية ، يُزيد خطورتها من البداية عندما انطلق جرس الإنذار ، يُضيّق الوقت على أفراد العصابة حتى يتحركوا سريعاً ، ذلك الضغط ولّد بعد ذلك تتابعات شاركت في تشكيل الحركة الثالثة ، كالحارس الذى تم ضربه ، و الرصاصة التي انطلقت بالخطأ على أحد أفراد العصابة ، و عن طريق زوايا تصويره و توزيع ممثليه داخل كل لقطة من لقطات العملية و زمن كل لقطة يخلق هيوستن توتراً و إيقاعاً مشدوداً يليق بمشهد سطو كبير .
كل معلومة تم تقديمها في الحركة الأولى ستجد لها صدى واضحاً في تشكيل ملامح الحركة الثالثة ، و كل فعل مُفاجيء تم في الحركة الثانية شكل بطريقة غير مقصودة و غير مُخطط لها تتابعات زادت من خطورة و حدة الحركة الثالثة ، هيوستن بارع بل عظيم في ترتيب المشاهد و تنظيمها على النحو الذى لا يُفقد الفيلم جاذبيته و غرضه الحقيقي ، صورته دائماً تخدم المعلومات التي يقدمها ، تخدم شخصياته و الجو المتوتر المُحيط بها ، شريط الصوت كان خير مثال على مفهوم رؤية هيوستن للعمل ، فهو خالي تقريباً من الموسيقى ، لاحظ أنه فيلم جريمة ، و الموسيقى ركن أساسي فى هذه الأفلام ، لكنه يستغنى تقريباً عنها هنا ، تاركاً المساحة كلها للشخصيات و الظروف و الملابسات أن تتشكل بثبات و رسوخ في ذهن المشاهد ، تجذب تركيزه بالكامل حتى يتابع أدق التفاصيل ، حتى يفهم و يبنى توقعات لما سيحدث ، و الفيلم كان دائماً مثيراً و مشوقاً للجمهور في كل خطوة و كل مشهد من مشاهده وصولاً لمشهد النهاية الشاعري الحزين .
0 التعليقات :
إرسال تعليق