كَتَب : محمد المصري
التقييم : 5/5
بطولة : مارلون براندو ، إيفا
ماري سينت ، كارل مالدن
إخراج : إليا كازان (1954)
I coulda had class. I coulda been a contender. I coulda been
somebody
مِن بَيْنَ كُل الأفلام التي شاهدتها ، مِن
بَيْنَ كُل شخصيات السينما التي تفاعلتُ معها ، مِنْ بَيْنَ كُل اللقطات والتفاصيل
وجُمَل الحوار التي بقت في ذاكرتي ، شاهدتُ هذا المَشْهَد – دون مُبالغة - مِئات المرات
.. حَيْثُ يَجْلِسُ مَارلون براندو ويَقول
بِحَسرَة على الروح ومرارةٍ في الحَلْقِ أنه كان يمكن أن يُصبح "شيئاً"
، في كُل مرة كُنتُ أخبر نفسي أن عَيْنِي لَن تَدمَع حين يقولها .. وفِي كُل مَرة كانت
تَدْمُع .
هُناك الكثير من الطُرق يمكن بها استقبال تُحفة
إليا كازان هذه ، أحدها هو تبرير موقفه حِينَ وقف أمام مَجلس الشيوخ
مُرشداً وواشياً على زملائه الشيوعيين أثناء الحقبة المكارثية في الخمسينيات
، الوجه الآخر هو تناول أوضاع الميناء البحرية ومشاكلها عَبر قصة إضراب حقيقية لِعُمّالِ
التفريغ والتحميل ضِد رؤساء اتحادهم الفاسدون ، ووجه ثالث يتعلق بكونه واحدة من ذروات
الواقعية في السينما الأمريكية خلال تلك الفترة وواحد من أكثر أفلام هوليوود اكتمالاً
، بأيَّ وجهٍ منهم يمكن تفهم أهميته ، ولكن هذا الفيلم لَمْ يُخَلَّد عظيماً لأجلِ
أيًّ من ذلك
هذا فيلم عَن ذات تائهة قبل كُل شيء ، نَفسٌ
تَعِبَة ، وَرَوْحٌ لَم تَجِدُ سَكِينتها ، تيري مالوي أضَاع نَفسُه
في لحظة ، وقت أن ترك حِلمُه وتَخَلّى عن المُلاكَمَة ، فُقِدَ حِينها ، أَصْبَحَ
"لا شيء" ولَم يعد يعنيه أصلاً أن يَصِيرَ شيئاً ، بقى كَذلك
لوقتٍ طويل .. حتى مُقابلته لـ"إيدي" ، وقتها بدأ يُدْرِك أنه "شيء" ، ينبغي
له أن يرفُض أو يَقبَل أو يثور أو يُحِب ، أن يستَردُ ذاته التي تَركها يوماً تَضيع
، لِيَصِير وقتها مُشَتتاً ، بَيْنَ حُبّه لـ"إيدي" ، ارتياحه
لـ"رَجُل الدّين" ، وولاؤه لـ"رجال العصابة"
وأخوه تشارلي الذي يُعْتَبر الساعد الأيمن لجوني فريندلي رئيسها الذي يُسَيْطِر على المينا ، ليَصْنَع كازان في
النهاية واحدة من أعظم "الفينالات" في تاريخ السينما ، دامجاً الثورة العامة على الأوضاع
الفاسِدة ، بثورةٍ خاصة وَلَحْظة تَطَهّر خالِدَة لذات تَسْتَرِدُ نَفسِها ونَكِرَه
يَصِيرُ في النهايَةِ "شيئاً" .
بناء عَظيم لواحِدَة من أكثر الشخصيات تَعْقيداً
وإلهاماً ، ورغم ذلك فإنَّها دون مارلون بِراندو لَم تَكُن لِتُصبِحُ شيئاً ، هُناك أداءات رائعة جداً من
الجميع ، "إيفا ، ستيجر ، كوب ، مالدن" ، الأولى حازَت على الأوسكار وثلاثتهم رشحوا إليه ،
ورغم ذلك فهذا فيلم مارلون براندو .. حَيْثُ بَدأ كُل شيء يَخُصُّ "التّمْثِيل"
الحقيقي مِن هُنا !
بِراندو عَلّمَ الناس كَيْفَ يُمَثّلون ، نُقطَة التحول
الأساسية في السينما بين مرحلة الكلاسيكيّة ومرحلة الأسلوبيّة أرسَت دعائمها مَعُه
في A Streetcar Named Desire وتَحَققت تماماً هُنا ، المُعَايَشَة
الكامِلة للشخصية ، الاهتمام بِكُلّ تفاصيلها الصغيرة ، يُبهرني في حَركة يديه ، أو
تنهيدة صوته ، أو التنفس العميق بين جُمْلَتَين يتحسر فيهم على نفسه ، طَاقة حُزن وغَضَب
وحَسرَة ونَدَم قادرة على الوصول إليك واختراقك .. حتى بعد أكثر من نصف قرن على إنتاجِ
الفيلم .
هذا هُو أعظم أفلام هوليوود الخَمْسِينات مِن
وجهة نظري .
0 التعليقات :
إرسال تعليق