الجمعة، 7 مايو 2010

On the Waterfront


كَتَب : محمد المصري

التقييم : 5/5

بطولة : مارلون براندو ، إيفا ماري سينت ، كارل مالدن
إخراج : إليا كازان (1954)

I coulda had class. I coulda been a contender. I coulda been somebody

مِن بَيْنَ كُل الأفلام التي شاهدتها ، مِن بَيْنَ كُل شخصيات السينما التي تفاعلتُ معها ، مِنْ بَيْنَ كُل اللقطات والتفاصيل وجُمَل الحوار التي بقت في ذاكرتي ، شاهدتُ هذا المَشْهَد – دون مُبالغة - مِئات المرات .. حَيْثُ يَجْلِسُ مَارلون براندو ويَقول بِحَسرَة على الروح ومرارةٍ في الحَلْقِ أنه كان يمكن أن يُصبح "شيئاً" ، في كُل مرة كُنتُ أخبر نفسي أن عَيْنِي لَن تَدمَع حين يقولها .. وفِي كُل مَرة كانت تَدْمُع .

هُناك الكثير من الطُرق يمكن بها استقبال تُحفة إليا كازان هذه ، أحدها هو تبرير موقفه حِينَ وقف أمام مَجلس الشيوخ مُرشداً وواشياً على زملائه الشيوعيين أثناء الحقبة المكارثية في الخمسينيات ، الوجه الآخر هو تناول أوضاع الميناء البحرية ومشاكلها عَبر قصة إضراب حقيقية لِعُمّالِ التفريغ والتحميل ضِد رؤساء اتحادهم الفاسدون ، ووجه ثالث يتعلق بكونه واحدة من ذروات الواقعية في السينما الأمريكية خلال تلك الفترة وواحد من أكثر أفلام هوليوود اكتمالاً ، بأيَّ وجهٍ منهم يمكن تفهم أهميته ، ولكن هذا الفيلم لَمْ يُخَلَّد عظيماً لأجلِ أيًّ من ذلك

هذا فيلم عَن ذات تائهة قبل كُل شيء ، نَفسٌ تَعِبَة ، وَرَوْحٌ لَم تَجِدُ سَكِينتها ، تيري مالوي أضَاع نَفسُه في لحظة ، وقت أن ترك حِلمُه وتَخَلّى عن المُلاكَمَة ، فُقِدَ حِينها ، أَصْبَحَ "لا شيء" ولَم يعد يعنيه أصلاً أن يَصِيرَ شيئاً ، بقى كَذلك لوقتٍ طويل .. حتى مُقابلته لـ"إيدي" ، وقتها بدأ يُدْرِك أنه "شيء" ، ينبغي له أن يرفُض أو يَقبَل أو يثور أو يُحِب ، أن يستَردُ ذاته التي تَركها يوماً تَضيع ، لِيَصِير وقتها مُشَتتاً ، بَيْنَ حُبّه لـ"إيدي" ، ارتياحه لـ"رَجُل الدّين" ، وولاؤه لـ"رجال العصابة" وأخوه تشارلي الذي يُعْتَبر الساعد الأيمن لجوني فريندلي رئيسها الذي يُسَيْطِر على المينا ، ليَصْنَع كازان في النهاية واحدة من أعظم "الفينالات" في تاريخ السينما ، دامجاً الثورة العامة على الأوضاع الفاسِدة ، بثورةٍ خاصة وَلَحْظة تَطَهّر خالِدَة لذات تَسْتَرِدُ نَفسِها ونَكِرَه يَصِيرُ في النهايَةِ "شيئاً" .

بناء عَظيم لواحِدَة من أكثر الشخصيات تَعْقيداً وإلهاماً ، ورغم ذلك فإنَّها دون مارلون بِراندو لَم تَكُن لِتُصبِحُ شيئاً ، هُناك أداءات رائعة جداً من الجميع ، "إيفا ، ستيجر ، كوب ، مالدن" ، الأولى حازَت على الأوسكار وثلاثتهم رشحوا إليه ، ورغم ذلك فهذا فيلم مارلون براندو .. حَيْثُ بَدأ كُل شيء يَخُصُّ "التّمْثِيل" الحقيقي مِن هُنا !

بِراندو عَلّمَ الناس كَيْفَ يُمَثّلون ، نُقطَة التحول الأساسية في السينما بين مرحلة الكلاسيكيّة ومرحلة الأسلوبيّة أرسَت دعائمها مَعُه في A Streetcar Named Desire وتَحَققت تماماً هُنا ، المُعَايَشَة الكامِلة للشخصية ، الاهتمام بِكُلّ تفاصيلها الصغيرة ، يُبهرني في حَركة يديه ، أو تنهيدة صوته ، أو التنفس العميق بين جُمْلَتَين يتحسر فيهم على نفسه ، طَاقة حُزن وغَضَب وحَسرَة ونَدَم قادرة على الوصول إليك واختراقك .. حتى بعد أكثر من نصف قرن على إنتاجِ الفيلم .

هذا هُو أعظم أفلام هوليوود الخَمْسِينات مِن وجهة نظري .


0 التعليقات :

إرسال تعليق

Flag Counter