كتب : مصطفى فلاح
التقييم : 4.5/5
إخراج : محمد رسولوف (2013)
أحد أفلام الجاسوسية الجريئة هذه المرة كان لمحمد رسولوف , المُخرج الإيراني المنفي من بلده و عمله في السينما قبل نصف العقد , ليُنافس به ضمن فئة )نظرة خاصة) في كان الفرنسية العام الماضي و يحظى بتكريم الإتحاد الدولي لنقاد السينما فيها بعد أن أنجزه سراً في إيران ! ، راسولوف يتناول قصة كان شاهداً عليها بكم من الواقعية و الرصانة و هو يُطالب بحق الحرية الفكرية الذي سُلب منه و من أقرانه و يُعري زيف الجهاز الأمني الحاكم في تعامله الشنيع ضد المُناهضين له .
يفتتح رسولوف فلمه بتنبيه المُشاهد الى أن أحداثه و شخصياته مُستمدة
من واقع كان جزءاً منه , بالتواريخ , بالعناوين , بفضحه لحملة التجسس و التعقب
التي تقوم بها الإستخبارات الأمنية كأداة خبيثة لمساعي السلطة الإيرانية الغامضة في
تصفية مئات الكُتاب و المُثقفين في عقد كامل منذ بدأ التسعينية من وجهة نظر أثنين
من عُملائها السريين: مُرتضى الذي يعتني الكاتب – روسولوف أيضاً - في رسم الإغواء
الذي يدور حوله و الرهبة الذي تسكنه جزاء عمله هذا ، و خورسو القاتل ذو الدم
البارد ، الحدية التي يلعب بها النص على أوتار هذين الشخصين حذرة جداً في التأسيس
لبيئة الحكاية و مع أن المخرج يمنح وقتاً كافياً لتبلور ما يعتمل في صدر مُرتضى -
الشخصية المعنية بتكثيف القصة - من بارانويا الشك في صواب العمل , إلا أن مُهمة
دوريهما تنحصر كثيراً في تسيير الأحداث و حسب , فهي فعلياً قصة عن الأسير أكثر من
الجلاد ، عن سجن البلد الكبير بدلاً من محبس الزنزانة , و أخيراً عن (الكلمة) التي أصبحت
مُطاردة و مُضطهدة عوضاً عن (المخطوطات) التي يجب أن تحترق !
أمر آخر يجعل من هذا الفلم ينطوي على بُعد آخر غير الميلودراما التي تنزوي في أركانه , هو أن روسولوف لم يُوضح لنا الشخصية , لم يُقدم له تعريفاً جلياً ، و لم يتحدث عنه و عن مشاكله بشكل يُقر إنضمامه لعملية تبدو أكبر من طاقته على أنجازها , بل لم يعرض أسم المُمثل - و بقية العاملين في الفلم - في إفتتاحية و ختام العمل , و هو بهذا يتفادى تكوين أي صلات عاطفية مع الجمهور ناحية شخصيته الرئيسية ليكسب التعاطف مع ضحاياها , يجعل منها أشبه بواحدة من تلك الرسوم الصغيرة التي يضعها المًهندسون المعماريون في مُخططاتهم لإبراز حجم أو مقياس المباني بشكل أكثر وضوحاً و قُدرة على التخيل ؛ و لصنع كل هذه الأمور كان على المُخرج أن يسير بكاميراته تماماً كما تسير شخصية مُرتضى بهواجسها , مخاوفها , و صبرها , حتى يخرج الفلم بصورة عامة مرآة لوجهة نظر مُخرجه تجاه هذا النظام الظالم و مرثية لأصدقائه المُثقفين الذي سقطوا صرعى تحت جور من يلتزمه ؛ هذه خطوة بارزة في صرف الإنتباه عن شخصية محورية تمثل ثقل الحدث , مقارنة بما تنتهجه بعض أفضل أعمال الصنف , كضابط الشتازي الألماني في حائز الأوسكار The Lives Of Others و الشخصية التي يؤديها جين هاكمان في رائعة كوبولا السبعينية The Conversation .
رسولوف أيضاً لا يوجه إهتماماً كبيراً لحبكة تناسب كم النفور و الغضب الذي يعتريه ، حبكة الفلم تقع خارج المجال البصري للمُشاهد , وراء تحديقه للكاميرا , تمتد الى ما لانهاية في الزمان و المكان ؛ و ما مأساوية الحدث الذي يضرب بأرض ثلاثة من هؤلاء المُثقفين تباعاً و إنزلاق رابعهم الى حافة العمل مع النظام - بعد يأسه من مُبارحة المعقل - بدلاً من مُناهضته له إلاً رسالة مُبطّنة على دنو أجل ثقافة عظيمة تحت راية العهد الجديد ، في جانب فني آخر , يمكن النظر الى الفلم بوصفه لوحة مؤلمة أعتنى المُخرج في رسمها عبر لقطاته العامة , الداخلية و الخارجية , و التي راعى فيها إحراز التناقض بين الطبيعة الواسعة الباعثة على الحرية و إطار السجن الضيق الخانق كصرخة أخرى على ضرورة التحرر .
شخصياً ، أرى في هذا الفلم شيئاً بالغ الأهمية في فكرته و جرأته في عرضها , بشجاعته في نقد سلطة غاشمة من أرضها , بتحرره من قيود المحبس التي نفت أحلامه و كممت صوته , بتجسيده لذات التيمة الشخصية التي أستطاع بها بناهي قفز حدود الإقامة الجبرية ليُمارس شغفه بصنع شريط سينما في This Is Not a Film و التي أستخدمها مخملباف كسرد شبه وثائقي عن ما يُثقل صدور الغالبية إزاء شجب الممارسات الثقافية في Salaam Cinema و التي أجبرت كياروستامي المُتهم بالهروب من السياسة على إستئناف الحديث عنها بعد مُقاطعة العديد من أعماله في بلده الأم : "أنا لا أحث الناس على القيام برد فعل ما , بل أحاول أن أصل الى حقيقة الحياة اليومية , و طالما نحن نحاول مُلامسة حقيقة كل يوم ، فإن أفلامي ستكون سياسية جوهرية و عميقة !" ، فقط أن رسولوف يعممها بشكل أكثر فاعلية و تأثيراً .
0 التعليقات :
إرسال تعليق