كتب : خالد إبراهيم
التقييم : 4.5/5
بطولة : إيزاكا كين ، نيامنتو سانوجو
إخراج : سليمان سيسيه (1987)
"الحرارة تصنع النار ،
و العالمان – الأرض والسماء – يوجدا عبر النور"
فيلم المالي سليمان سيسيه يعتبره
البعض أعظم فيلم أفريقي تم إنجازه ، لكن الشيء المؤكد أنه من أجمل الأفلام قاطبة ،
بعيداً عن أي حضارة نعرفها يأخذنا فيلم سيسيه إلى القرن الثالث عشر ليعيد تصوير أسطورة شهيرة من بلده مالي ، عند
التعامل مع الأسطورة يكون من الصعب تحويل الشفهي إلى بصري ، ومع ضعف بعض
الإمكانيات وغياب البعض الآخر يصبح الأمر مستحيل ، هذا الفيلم حقق – بنجاح كبير – المستحيل
.
أسلوب سيسيه غير
السردي من الممكن أن يُربك المشاهد ، في الغالب لا أحمل إيمان عميق بإمكانية حرق
أحداث الأفلام العظيمة ، الفيلم العظيم يكمن سحره في ما لا يمكن قوله ، كما أن
إحدى كرامات الفيلم العظيم هو أنك قد تعرف مقدار ما يحمله من قصة بالكامل ، لكنه
يظل قادر على إمتاعك وإن اعتقدتَ أنك قادر على إفساد تلك المتعة ، الشيء الأهم أن
يكون – كل مرة – قادر على مباغتتك .
فيلم سيسيه الخيالي
يحمل علاقة مركبة بين شاب وأبيه ، الاثنان يمتلكان قدرات سحرية ، الأب يريد قتل
ابنه ، لا يمكننا أن نعرف – عن يقين – لماذا يريد قتله ، و هذا يحير المشاهد و يزيد
– بلا شك – من سحر الفيلم ، يعيش الابن مع أمه بعيداً عن الأب الذي نبذ ابنه منذ
مولده ، اللمسة الأوديبية تصبح أكثر وضوحاً ، ربما الأب لا يريد للإبن أن يشاركه
السحر (مُلْكَه).
الابن يهرب من أب
يسعي جاهداً لإيجاده ، تبدأ رحلة الابن صوب عمه الأعمى ، سنعرف بعد ذلك أن العم
ليس فقط شقيق أبيه ولكن توأمه كذلك ، رحلة الابن ستكون شاقة وهامة بالنسبة للابن ،
حيث يستقل من رعاية وحماية أمه ليكتشف قدراته ويكتشف نضج عقله وجسده ، يمر الابن على
قوم أرادوا قتله في البداية ، لكن ملكهم جعل الفتى مساعداً له بعد أن أراهم قدراته
السحرية ، يستعينوا بالفتى الساحر في قتال أعدائهم فينجح في الاختبار ، يطلب منه
الملك أن يعالج زوجته العاقر ، لكن الفتى يخون الثقة بنومه مع زوجة الملك ، يطلب
الفتي من الملك تحقيق القصاص ، لكن الملك النبيل يتركه يذهب ويترك كذلك الزوجة الباكية
ترحل مع الفتى ، الملك ذو الوجه القاسي و العين الدامعة يقدم صورة بديعة لنبل لا
يفترضه "العالم المتحضر" في قوم بدائيين ، فإهانة الفتى و الزوجة
لكرامة الملك لم تجعله يهدر بنفسه كرامته بقتل الزوجة أو قتل الفتى.
يصل الفتى مع زوجته
الجديدة إلى عمه الذي يخبره بحقيقة الخلاف مع جده ، والذي على إثره عرض الجد نور
الآلهة على العم مما تسبب في عمى العم ، يخوض الفتى معركة لا مفر منها مع الأب ،
حيث يتعرض الاثنان للنور الساطع (عنوان الفيلم) ، لا نعرف نتيجة المواجهة لكننا نستنتج
أن الأب والابن لم تكتب لهم النجاة ، و نرى أن الزوجة أنجبت ولداً يبحث في الرمال
فيجد بيضتان من الحجم الكبير ، ثم ينتهي الفيلم بالسطوع .
الفيلم بدأ بشروق
الشمس ، شروق الشمس يمكن إعتباره بمثابة بداية العالم ، الفيلم نفسه يمكن كذلك
اعتباره العالم القديم أو عالم الأسطورة ، بينما السطوع يرمز لنهاية هذا العالم
القديم وبداية عالم جديد ، لستُ من هواة تدمير الخلايا العصبية أثناء التفكير في الرمزيات
، لكن كل ما في الفيلم يوحي بالخلق وإعادة البعث .
هناك كم هائل من
الأصالة في عمل سيسيه ، ما يمكن أن نراه في هذا الفيلم يصعب أن نكون قد رأيناه
من قبل ، السرد الأسطوري ، التركيبة الثقافية ، الأسلوب البصري ، الإيقاع ، سيسيه أنجز
سبع أفلام خلال أكثر من أربعين عاماً ، (السطوع) هو خامس أفلامه السبعة ، استعان سيسيه بمصورين
فرنسيين ، بينما الموسيقى كانت خليط ما بين الإنشاد المالي و الجاز الفرنسي .
تم إنتقاد الفيلم
بسبب صعوبة تتبع السرد ، كأن لابد من الالتزام بمعايير معينة حتى يُمنح الفيلم
المباركة ، حتى أن البعض اتهم الفيلم بالبدائية ! ، لنفس السبب يمكننا اعتبار مرآة (تاركوفيسكي)
أو حكاية حكايا (نورشتين) أعمال قليلة الجودة ! ، ربما ما لم يفعله تاركوفيسكي و نورشتين أنهم
لم يعدوا المشاهد بسرد بينما سيسيه تلاعب بالمشاهد قليلاً ، و يبدو أن البعض لم يعجبه الأمر
.
الأمر الذي أجده
معيباً فعلاً كان في الممثل القائم بدور الأب ، حيث أنه قد مات أثناء التصوير ،
فاضطر سيسيه لأن يستعين بآخر و يعيد تصوير المشاهد السابقة ، لكن
هناك مشهد واحد لم يتم استبداله ، فاصبح هناك ممثلان يلعبان نفس الدور في نفس
الفيلم ، من العجيب ألا ينتبه أحد للأمر !
الشيء الذي لا جدل
فيه هو الصورة الساحرة الشعرية والتصوير الخلاب الآسر ، كيف تم تحويل الأراضي القاحلة
إلى جنة بصرية ! ، كيف استطاع سيسيه أن يحقق فيلم خيالي في أفريقيا ! ، و إن حققه
كيف حققه بدون مؤثرات أو ممثلين محترفين ! ، الفيلم درس في القدرة على تحقيق
المستحيل ، والشيء الأهم أنه نوع استثنائي من الجمال الخام .
0 التعليقات :
إرسال تعليق