كتب : خالد إبراهيم
التقييم : 4/5
بطولة : ثيرنو لي
إخراج : عثمان سيمبين (1975)
"المصيبة الحقة ليست
مسألة جوع أو عطش ، لكنها مسألة أن تعرف أن هناك أناس يريدون لك الجوع والعطش"
- عثمان سيمبين
عثمان سيمبين يحول روايته إلى
فيلم ، يختار الكوميديا ليقول ما يريد قوله عن بلده و عن البلدان الأفريقية التي
تحررت فقط من مظهر الاستعمار الخارجي ، لكن الاستقلال الوطني لم يتحقق ، الغرب رحل
بجنوده ولم يغادر بنفوذه ، يقتحم الغرفة التجارية رجل أبيض يضع حقيبة سوداء أمام
الأعضاء و الرئيس السود ، يبدون قانعين بما في الحقيبة من أموال ، الرجل سيظل
موجود طوال الفيلم دون أن يقول شيئاً ، في حضور المال من يحتاج ليقول شيئاً !
(الحاج) – أحد
أعضاء الغرفة التجارية – رجل أعمال يتاجر في السوق السوداء ، الحاج على وشك
الزواج للمرة الثالثة ، نرى مناورات حربية لطيفة بين الزوجة الأولى والثانية
تذكرنا بالمسلسلات العربية ، الرجل يكتشف أنه عاجز عن ممارسة الجنس مع عروسه
الجديد ، اسم الفيلم (حالة / خالة) لفظة ترادف حالة العجز الجنسي ، يذهب الحاج إلى
المشعوذين بحثاً عن علاج ، يخسر المال والتركيز في العمل ، يجد العلاج أخيراً ، لكنه
يفقد موقعه في الغرفة التجارية ، المشعوذ الذي عالجه لا ينجح في صرف الصك الذي
أعاطاه له الحاج لعدم وجود رصيد كاف ، في المقابل يعيد المشعوذ عجز الحاج مثلما
قد سبق وعالجه ، في نهاية الفيلم يعرض ذوي الإعاقات والمعوزين معالجة الحاج ، علاجهم
أن يبصقوا عليه بصورة جماعية !
سيمبين روائي قبل أن يصبح
مخرج أفلام ، دائماً ما يدور جدل عجيب بين أنصار الأدب و أنصار السينما حول
الأفضلية ، يعتقد أنصار الرواية أن السينما أقل خيالاً بينما يعتقد أنصار السينما
أن الرواية آداة سينمائية ، الحقيقة أن الفرضيتين قد تكونا صحيحتين و قد يكون
العكس ، الأمر متوقف عن أي رواية و أي فيلم نتحدث ، فالفيلم الجيد يمنح خيالك شيء
جديد عندما تشاهده بينما الفيلم العظيم يمنح خيالك أشياء جديدة متى شاهدته وبعد
المشاهدة ، رواية دوستوفيسكي العظيمة : (الجريمة والعقاب) هل يستطيع أحد تحويلها إلى فيلم ؟ وإن استطاع
هل ينجح ؟ أو كما قال مواطنه تاركوفيسكي "إن كتباً كهذه تعد تحفاً فنية ، و فقط ذاك الذي لا يبدي اكتراثاً
بالنثر الرفيع و بالسينما معاً يمكن أن يتصور إمكانية تحويلها الى الشاشة"
.
سيمبين استحضر الروح (البونويلية)
في هذا الفيلم عدة مرات ، ربما هو أمر شخصي أن لا أستطيع تخيل فيلم يسخر من
البرجوازية بدون تذكُّر بونويل ، وكيف لا ؟! لكن مشهد زحف الفقراء ناحية بيت الحاج في نهاية
فيلم سيمبين لا بد و أن يذكرنا بتحفة بونويل العظيمة Viridiana ، النقد الساخر القاسي
يصلح دائماً ليكون سلاح مميت في مواجهة أوضاع عبثية ، كما أنه وسيلة فعالة لتنفيس
الغضب ، الفيلم يسخر من استقلال البلد الذي لم يحدث طالما لا يستفيد أهل البلد من
خير البلد ، طالما لا يستطيعون إدارة بلدهم بأنفسهم لأنفسهم .
ربط سيمبين المكانة
المالية والاجتماعية بالذكورة ، فحينما فقد الحاج قدرته الجنسية
فقد مكانته وسط أقرانه ، عندما استعاد قدرته لم ينجح في أن يستعيد مكانته لأن مجرد
التشكيك في ذكورته أمر هائل بالنسبة لهذا النوع من المجتمعات ، أحد النقاد أشار
بذكاء إلى أن الحاج عندما تعثر جنسياً لم يلجأ للرجل الأبيض أو الطب الحديث ،
لجأ للمشعوذين و العلاج طبقاً للتقاليد القديمة ، سيمبين يعتقد أننا
لابد و أن نفهم تقاليدنا قبل أن نحاول فهم أنفسنا .
الجميل في فيلم سيمبين أن
الغرب ممثل في شخص واحد لا يتكلم طوال الفيلم ، سيمبين يهاجم الاستعمار الصامت
الملحوظ وإن كان لا يثير ضجيجاً ، كما يهاجم الاستعمار الثقافي اللغوي طبقاً
لمقولته بأن الحضارة و الفن سياسة ولكنها تقول "نحن" بدلاً من
"أنا"، في الغرفة التجارية يصر الأعضاء على الحديث بالفرنسية
بينما في لحظة إنهيار الحاج أصر على التحدث بلغة الولف المحلية ، لغة الولف التي
كان يلوم بنته في السابق على التحدث بها ، أحد البرجوازيين الأفارقة يشتكي بأنه لم
يعد يستطيع الذهاب إلى أسبانيا لكونها أصبحت ممتلئة بالزنوج ! ، سيارات رجال
الأعمال تُغسل بماء معدني مستورد من أوروبا ، بينما الفقراء يقتسمون فيما بينهم
الخبز ويساعدون أحد القادمين من الريف والذي سُرقت أموال قريته في المدينة .
بنت الحاج رافضة لفساد أبيها
وأسلوبه في المعيشة ، رافضة لزواجه الثالث وللماء المستورد الذي لا يشرب غيره ،
مثلما يغسل سيارته يغسل أحشائه ! ، بنت الحاج تمثل الرفض في مقابل الحاج الممثل للفساد ، لكنها
أضعف من أن يصبح لها صوت مسموع ، يتعاطف سيمبين معها و نعرف
أنها تمثل موقفه الأخلاقي كذلك ، البنت تخوض معركة خاسرة منذ البداية لكن في
المقابل تستطيع أن تشعر بالنبل ، في مقابل الأب الذي يخوض معركة خاسرة في النهاية
طمعاً في الشعور بالفخر ، من الواضح لمن انتصر سيمبين .
"بالطبع عندما أتكلم
عن المدن الأفريقية لا يوجد هناك فرق كبير بين بناء في لندن أو أبيدجان ، لكن
الأكثر أهمية هو الرجال والنساء الذين يعيشون في هذا البناء ، أي حياة يعيشونها؟"
- عثمان سيمبين
0 التعليقات :
إرسال تعليق